خالد صاغيةجون ماكين على حق. من يُرِد أن يكسب حرباً، لا يُخبر العدوّ بموعد انسحابه من أرض المعركة. ماكين عبّر عن غضب اليمين من عدم استجابة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمطالب الجنرالات كاملةً. ثلاثون ألف جنديّ لفترة محدّدة قد لا يكفون لحسم المعركة.
لكنّها معركة ضدّ من؟ يعترض اليسار هذه المرّة. فإن كانت المعركة ضدّ القاعدة، فلم تعُد قوّة في أفغانستان. وإن كانت معركة ضدّ طالبان، فأوباما نفسه يدعو إلى تعاطٍ مختلف مع العناصر المعتدلة داخل طالبان. أم هي معركة ضدّ ما يسمّى عادات القرون الوسطى التي تحاول طالبان نشرها؟ وهل هذه معركة تستحق كلّ هذه التضحيات المادية والجسديّة؟ ومَن هو شريكنا في هذه المعركة؟ حميد قرضاي الغارق في الفساد، والمتّهم بتزوير الانتخابات؟
لا يبدو أنّ أوباما قد أرضى بخطابه عن أفغانستان اليمين أو اليسار. لكنّه، كالعادة، صاغ مفرداته بعناية ليرضي الوسط. وقد دعمته في ذلك الصحف الأميركيّة الرئيسيّة. أمّا المواقع والمدوّنات الأكثر تطرّفاً، فحفلت بانتقادات من كلّ حدب وصوب.
منذ البداية، ميّز أوباما بين الحرب الأميركيّة في العراق والحرب في أفغانستان. كسب معركته الانتخابيّة بناءً على هذا التمييز. فالشعب الأميركي كان قد ضاق ذرعاً بضربات المقاومة العراقية والخسائر الناجمة عنها في العراق. مشهد التوابيت المقبلة من بلاد الرافدين بات روتينياً في حرب لم تعد غالبية الأميركيين تؤمن بفائدتها، وخصوصاً بعدما فُضحت كذبة أسلحة الدمار الشامل. لكنّ أوباما كان بحاجة في الوقت نفسه إلى حرب يثبت من خلالها أنّ موقفه من العراق ليس نابعاً من جبن أو من عدم قدرة على أن يكون رئيساً قوياً قادراً على حماية الأمن القومي الأميركي. وهنا جاء دور الحيلة الكلاميّة. حرب أفغانستان حرب ضرورية «فُرضت علينا»، أمّا حرب العراق، فكانت حرباً اخترناها بأنفسنا. وكان خيارنا خاطئاً.
حيلة موفّقة. لكنّ المرء لا يحتاج إلى كثير من الذكاء ليكتشف أنّ هذا ليس إلا هروباً من الاعتراف بقدرة المقاومة العراقية على تكبيد الجيش الأميركي خسائر فادحة، فيما كانت أرض المعركة في أفغانستان أكثر هدوءاً.
عاد مشهد التوابيت إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة. لكن، من أفغانستان هذه المرّة. الخوف كان بادياً على وجوه الجنود الذين كانوا ينصتون إلى خطاب أوباما. عدد منهم سيحسم هذا الخطاب مستقبله. أمّا مستقبل أفغانستان، فمحسوم سلفاً. اسألوا الغزاة الذين سبق أن مرّوا من هناك.