سوق أيّاس
حضرة الأستاذ إبراهيم الأمين المحترم،
أوجّه إليكم هذا الكتاب لأشكركم على مقالاتكم التي لطالما انتظرناها بشغف في جريدتكم الموقرة، وأريد أن أعلمكم بأنه لفتت انتباهي مقالتكم التي نُشرت عن الشيخ سعد الحريري، وأخصّ تحديداً ما ذكرتموه عن انتقال مكان سكنه من قريطم إلى «سوق أيّاس» أو «بيت الوسط» كما يسميه «الشيخ الجليل»، وإننا نعلم أن ذكركم لهذه التسمية باسم صاحب القصر «أيّاس» ليس من طريق المصادفة أو أنها تسمية ذكرتموها مرور الكرام، لكن لها مردودها الكلامي والتاريخي، حيث إنكم أعدتم إحياء الاسم الحقيقي لهذا القصر ووضعتم النقاط على الحروف.
مَن منّا لا يتذكر سوق أيّاس، أو لم يسمع قصص الأسواق القديمة التي تحكي تاريخ بيروت وكرم أخلاق مَن كان صاحب الفضل الكبير في وجود هذا السوق الجميل الذي يعكس صورة بيروت وتاريخها وطيبة أهلها ووجهها التراثي؟ مَن منّا لا يقول في قرارة نفسه (رزق الله على بيروت القديمة وعلى أسواقها القديمة التي كانت تلمّ جمع جميع اللبنانيين من كافة الطبقات ولا تفرّق بين غني أو فقير)؟ فإن ما يسمونه اليوم «بيت الوسط» هو فعلاً «قصر المرحوم عثمان بك أيّاس» باني سوق أيّاس ورئيس بلدية بيروت مرتين في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وقد أخذت أو استملكت هذا القصر العريق الموازي للسرايا الحكومية من ورثة المرحوم عثمان بك أيّاس الشركة الاحتكارية لوسط بيروت بأبخس الأسعار، وبالتالي بيع إلى الشيخ الجليل.
والمؤسف أننا لا نجد شارعاً في بيروت يحمل اسم المرحوم محمد عثمان بك أيّاس أو لوحة أو ما شابه تخليداً لذكراه على ما فعله في السعي لتطوير بيروت وبنائها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وعلى ما حققه من تجارة خارجية بين بيروت ودمشق وحلب و«مانشستر» حيث كان من روّاد التجار بين هذه المدن، كذلك فإنه من كبار المستثمرين في السودان وقد اشترى سنة 1905 الأراضي بين النيل الأبيض والنيل الأزرق في الخرطوم، التي كبرت عليها المدينة، وفيها القصر الرئاسي وفندق الهيلتون ووزارة العمل وقصر المؤتمرات وبعض الأحياء في الخرطوم. وكان «المرحوم محمد عثمان بك أياس» من كبار المتبرعين لخط سكة حديد الحجاز أيام السلطان عبد الحميد، وذلك تسهيلاً لسفر الحجاج إلى الديار المقدسة في المدينة المنورة ومكة...
خالد الداعوق
(رئيس تجمّع الإصلاح والتقدّم)