خالد صاغيةستّون نائباً طلبوا الكلام في جلسات الثقة التي تبدأ اليوم في المجلس النيابي. ربّما كان ينبغي، والحال هذه، توجيه الشكر إلى النوّاب الثمانية والستّين الذين لن يتحدّثوا في تلك الجلسات التي ستمتدّ إلى ثلاثة أيّام أو أكثر.
الشكر لا ينبع من تقدير لتوفير الوقت. فلا المواطنون، ولا نوّابهم، لديهم ما يفعلونه أصلاً. الأوّلون غارقون في البطالة الصريحة أو المقنّعة بانتظار فرصة الهجرة. والأخيرون ينتظرون فرصةً سانحة للاستعراض أمام الشاشات، وفوق المنابر، للإيحاء بأنّ لديهم أشياء مهمّة يتفوّهون بها.
الشكر نابع أساساً من ستر الفضيحة. فضيحة أن لا أحد من النوّاب سيصارح ناخبيه بما يجول في خاطره. أن لا أحد من النوّاب سيلقي الكلمة الآتية:
«السيّد الرئيس،
حضرات النوّاب،
ها نحن قد انتُخبنا وفقاً لقانون وُضع منذ خمسين عاماً. قانون يشوّه التمثيل الشعبي، ويكرّس الولاءات الضيّقة، فيزيد من تفتّت الدولة، ويرفع من شأن الانتماءات المناطقيّة والطائفيّة. لا نعرف ماذا أصابنا كي نقبل بقانون كهذا. لكن هذا ما أجمعنا عليه في الدوحة بعد أحداث 7 أيّار الأليمة. ربّما اعتقدت المعارضة آنذاك أنّ هذا القانون يحقّق لها الأغلبيّة، فضربت عرض الحائط بكلّ مشروع إصلاحيّ. وربّما اعتقد آخرون أنّ هذا يريح الناخب المسيحي الذي عانى من الفتنة السنّية ـــــ الشيعية، ولا بدّ من التعويض عليه. مهما يكن الأمر، فإنّ تمثيلنا للشعب اللبناني مشكوك فيه أصلاً. وها نحن الآن نتهيّأ لإقرار تشريعات من دون أن نملك ثقة المواطنين.
لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ. لقد ذهبنا أبعد من ذلك. فألّفنا حكومة تضمّ الكتل النيابيّة كافّة. وها نحن ندعو أنفسنا اليوم لإعطاء الثقة لأنفسنا. وبعد نيل الثقة، إن شاء اللّه، سننطلق في عملية مراقبة أنفسنا ومحاسبة أنفسنا. قد يبدو ذلك غريباً بعض الشيء، لكنّ هذه ضرورات الوحدة الوطنية والديموقراطية التوافقية، بعدما اصطفّت الطوائف وراء زعيم واحد، وبعدما شارفت البلاد على حرب أهليّة.
لذلك، لا أهميّة لكلّ كلمات النوّاب اليوم. وهي لا تعدو كونها مجرّد محاولات لتسجيل مواقف لا يمكن أن تُصرَف في السياسة. لا بل يمكن وضعها في خانة انتحال الصفة».
بالأمس، ركض أركان الدولة في الماراتون. بدا وجودهم باهتاً وثقيلاً. ولم يكن حضور هيفا وحده هو السبب.