خالد صاغيةيمكن وصف جلسات الثقة في مجلس النوّاب بالبروفات المتعثّرة على التوافق. فالواضح أنّ النوّاب المنتمين بأكثريّتهم الساحقة إلى كُتل، قد تلقّوا تعليمات واضحة بعدم التصعيد. لكنّ الواضح أيضاً أنّ التعليمات لم تكن واضحة بما يكفي بشأن مستوى التهدئة.
ثمّة نوّاب حافظوا على خطابهم نفسه. لكنهم نُقلوا من الصفوف الأماميّة إلى الصفوف الخلفيّة، بانتظار ظروف مختلفة تسمح بإعادة عرض مواهبهم في الواجهات، وخصوصاً أنّ حسومات الأعياد على الأبواب.
نوّاب آخرون اضطُرّوا إلى تعديلات في الخطاب. يريدون المضيّ في الاعتراض على سلاح المقاومة، وفي الوقت نفسه لا يريدون. يريدون المضيّ في الاعتراض على طرح إلغاء الطائفية السياسية، وفي الوقت نفسه لا يريدون. يريدون التراجع عن لهجة العداء لسوريا، وفي الوقت نفسه لا يريدون. يريدون الاختلاط بزملائهم من الضفّة الأخرى، وفي الوقت نفسه لا يريدون.
انفتحت الجلسة على شتّى أنواع التوفيقات. اكتشفنا مثلاً أنّ المطروح ليس إلغاء الطائفية السياسية، بل تأليف هيئة تعدّ على مدى عشرات السنين أجيالاً تتربّى على العيش من دون طائفيّة. اكتشفنا أيضاً أنّ الاعتراض ليس على المقاومة. فالكلّ ضدّ العدوّ الإسرائيلي، والكلّ مع المقاومة. لكن الاعتراض هو على سلاح المقاومة. فمن حق الشعوب أن تقاوم بالحجارة. ومن حقها أن تقاوم «حضاريّاً». المشكلة، على ما يبدو، هي في استخدام السلاح أثناء المقاومة.
اكتشفنا أيضاً أنّ العيش المشترك يحتّم اقتران انتقاد سلاح المقاومة بالدعوة إلى عدم التساهل في قضية تغييب الإمام موسى الصدر، لتبديد أي وهم بتقصّد الطائفة الشيعية لدى الحديث عن سلاح المقاومة.
اكتشفنا أيضاً أنّ ما أصاب العلاقات اللبنانيّة السوريّة لم يكن إلّا غيمة سوداء.
اكتشفنا أيضاً أنّ بإمكان التصفيق لتدمير المخيّمات فوق رؤوس أبنائها أن يقترن مع الدعوة الصادقة لإعطاء الفلسطينيين المقيمين في لبنان حقوقهم المدنيّة.
اكتشفنا أخيراً أنّ ما من نائب أثلج صدر فؤاد السنيورة إلا نديم الجميّل. كان ردّ فعل الرئيس السابق للحكومة مشهداً رمزياً أعاد إلى الأذهان كيف ارتضى بعض اللبنانيّين السير في مشروع بشير الجميّل... بعد ربع قرن على اغتياله.