مصطفى بسيوني
تتعامل السلطة مع كل معركة انتخابية في هذه الفترة كما لو كانت معركة تمهيدية لانتخابات رئاسة الجمهورية
على جانب آخر، بدت المعادلة غير المعلنة التي ساهمت بفوز مرشحي الحكومة في الانتخابات الماضية مختلّة. فقد تضمّنت منحاً حكومية للصحافيين تمثلت في زيادة بدل التكنولوجيا الشهري للصحافي العضو في النقابة بمقدار 200 جنيه، وتوفير مساكن ميسّرة للصحافيين وخدمات أخرى، في مقابل ما سمّي عدم تسييس العمل النقابي. وعلى مدى عامين، عانى الصحافيون من تأخر صرف البدل، ما أثار غضبهم واعتبروه إهانة وإهداراً للوعود الانتخابية. وفوجئ الصحافيون بأسعار المشاريع السكنية الميسّرة وشروطها التي لا تختلف عن المعروض في السوق، بل تفوقه أحياناً، ما جعل شعار «نقابة للخدمات لا للسياسة» يفقد الكثير من صدقيّته، وهي كانت مهزوزة أصلاً بسبب طرحه من جانب الحكومة. الانتخابات التي جرت في تلك الفترة حملت معها دلالة هامة. فقد بذلت الحكومة جهداً كبيراً في التدخل في انتخابات نقابة الصحافيين عام 2007، لم تتكبد حتى عناء إخفائه، ثم تكرّر الأمر نفسه في انتخابات نادي القضاة ونقابة المحامين، مستخدماً الآليات نفسها من منح وخدمات. وقد أثمرت بالفعل تلك التدخلات، إذ فاز أغلب مرشحي الحكومة. وقد كان لحضور أحمد عز، أمين التنظيم في الحزب الوطني الحاكم، وأحد أبطال سيناريو التوريث، اجتماع تشكيل مجلس نقابة المحامين بعد إعلان النتيجة، من دون امتلاكه أي صفة رسمية، معنى في منتهى الوضوح. فنادي القضاة ونقابتا المحامين والصحافيين، ليست مجرد تنظيمات نقابية، لكنها منابر للحراك السياسي والتغيير، وما كانت السلطة لتتركها خارج سيطرتها في الفترة المقبلة.
على هذه الخلفية، جرت الاستعدادات لانتخابات نقيب الصحافيين. وأول ما يلفت الانتباه أنها أعدّت لتكون انتخابات خاطفة، تضيق فيها فرصة الدعاية الانتخابية حتى تكاد تكون معدومة. فبعد جدل حول موعدها، أهدر جزء من مرحلة الحملة الانتخابية، جرى تحديده في أعقاب إجازة عيد الأضحى مباشرة.
الحكومة لم تخالف عاداتها. فقبل إجازة العيد مباشرة، تمّ طرح مشروع إسكان ميسّر للصحافيّين على شرف مرشح الحكومة، النقيب الحالي، مختلف عن ذاك الذي تم طرحه في مرحلة سابقة ورفضه الصحافيون. ولكن هذا المشروع أيضاً لم يكن مقنعاً، سواء من حيث موعده اللصيق جداً بالانتخابات، أو من حيث شروطه التي ظلت غامضة، تذكر وتستحضر المشروع السابق الفاشل. وإذ بدا الدعم الحكومي غير كاف، أعلن مرشح الحكومة عقب لقاء له مع رئيس الوزراء خلال إجازة العيد، أن بدل التكنولوجيا سيزداد بواقع 80 جنيهاً.
على الجانب الآخر، حاول مرشح تيار الاستقلال، رغم ضيق الوقت، إرساء منطق مختلف لتحسين أوضاع الصحافيين، فاقترح جمعيات الإسكان التعاونية لحل مشكلة الإسكان، وحاول إعادة الاعتبار لدور الجمعية العمومية، كما استعاد برامج تيار مثل رفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء الحبس في قضايا النشر، وحرية تداول المعلومات، وهي الأوتار نفسها التي يحاول مرشح الحكومة العزف عليها أحياناً، لكنه لم يبذل في سبيلها أي جهد في السنتين الماضيتين من ولايته، ما يقلّل كثيراً من أهمية خطابه الانتخابي اليوم.
في السابق، كان لتركّز عضوية الجمعية العمومية للصحافيين بالمؤسسات الصحافية التابعة للدولة تأثير كبير في حسم انتخابات نقابة الصحافيين لمصلحة السلطة. ولكن هذا التأثير يبدو أقل الآن لسببين، أولهما أن مرشح تيار الاستقلال نفسه من مؤسسة الأهرام، أكبر مؤسسات الدولة الصحافية، ويحظى فيها بشعبية ملحوظة، وثانيهما أن الجمعية العمومية بدأت بالفعل بالتمدد خارج المؤسسات الرسمية بعد توسّع الصحافة المستقلة.
وسط العاصمة، تلتحم المقارّ الثلاثة لمنابر الحراك السياسي في مصر، في القلب منها نقابة الصحافيين، وعلى يمينها نقابة المحامين، وعلى يسارها نادي القضاة. تبدو في تلاحمها كقلعة واحدة تحاول الدولة إخضاعها، وهي أقل تسامحاً في هذه المرحلة في إفلات أيّ منها. ومع ذلك، أثبت تيار الاستقلال في نقابة الصحافيين قدرته على تعويض خسارته في المقاعد بتوسّعه في القواعد. ويختبر نفسه اليوم في معركة جديدة.
ليس من الصحيح بالطبع تحميل انتخابات نقيب الصحافيين مسؤولية الحراك السياسي وعملية التغيير في مصر. ورغم ذلك، تتعامل السلطة مع كل معركة انتخابية في هذه الفترة كما لو كانت معركة تمهيدية للمعركة الكبرى، أي انتخابات رئاسة الجمهورية.
* صحافي مصري