strong>والتر راسل ميد*سيحكم الوقت والتاريخ إن كان مؤتمر كوبنهاغن قد مثّل بداية جهد ناجح لإنقاذ الكوكب، أو انهيار جهد شجاع وبداية كارثة الاحتباس الحراري الكبرى. كما يمكن أن يكون هذا المؤتمر قمة إضافية غير مهمة لا تحمل أي تأثير يُذكر، جيداً كان أو سيّئاً. لكن بينما ننتظر جلاء النتائج، نستطيع أن نشاهد التأثيرات على المدى القريب، لأنّ كتلة كوبنهاغن أنتجت دون شك رابحين وخاسرين.
يتصدّر الرابحين باراك أوباما. إذ مكّنت دبلوماسية نشطة وغير اعتيادية الرئيس الأميركي من الهيمنة على القمة العالمية، كما لم يفعل غيره. ومهما كان رأيك من النتيجة، فإنّ ما حصل برهن من هو أهم قائد في العالم.
الولايات المتحدة الأميركية نفسها كانت أيضاً من الرابحين. فبعد كلّ هذه الثرثرة عن التراجع وفقدان الأهمية، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية «الدولة التي لا يمكن التخلي عنها» بالنسبة إلى العالم أجمع. الانهيار هو شبح يلوح في الأفق، وليس حقيقة حالية. لا يعجب ما فعلناه وما لم نفعله في كوبنهاغن الجميع، لكنّ الكلّ يعرف أنّ أميركا لا تزال تحتل المركز الأول في ما يتعلق بتحديد مصير الكوكب.
وكانت الصين من الرابحين أيضاً. إذ مثّلت بعد الولايات المتحدة الصوت الأكثر أهمية في المحادثات. إلى الأمام أيها الأحمر الكبير!
وكذلك كانت الهند، أفريقيا الجنوبية، والبرازيل ـــــ الأعضاء الباقون من عصابة الخمس التي صاغت، إلى جانب الصين وأميركا، سياسة المجتمع الدولي الخاصّة بالتغيّر المناخي.
أما في المملكة العربية السعودية، فيستطيع شيوخنا الأعزاء النوم الهانئ. إذ لا شيء سيئاً سيحصل لصناعة النفط عندكم في القريب العاجل.
كما كان حس الفكاهة الإلهي من الرابحين. تعاظم البرد في أوروبا في الوقت الذي كان فيه المندوبون الأميركيون يعودون بسرعة إلى بلادهم ليسبقوا الشتاء القارس الذي وصل إلى السواحل. شلّت الحركة في بريطانيا بواسطة عاصفة ثلجية كبيرة، كما أسهمت درجات الحرارة المنخفضة على غير عادة تحت القناة الإنكليزية في توقف العمل فيها مع انقطاع التيار الكهربائي. وارتجف المندوبون وهم يتنقّلون من نشاط إلى آخر ضد ارتفاع الحرارة.
بالطبع، كانت القارة الأوروبية أكبر الخاسرين. منذ 100 عام، حكمت أوروبا العالم. وحاولت اليوم أن تجعل من التغير المناخي قضيتها هي. لم تكن أوروبا في الغرفة حين قرر الخمسة الكبار أن يصوغوا اتفاقاً في كوبنهاغن... ولم يعطِ الاتفاق أوروبا الكثير. كتبت سابقاً أنّ معظم الدول الأوروبية تنظر إلى أميركا كما تنظر شخصية الرسوم المتحركة الذئب «ويلي كايوتي» إلى الطائر «رود رانر» الذي يقضي وقته في إطلاق صوت «بيب بيب». الذئب ذكي ومتقدم تكنولوجياً. أما الطائر، فهو مهرّج جاهل. لكن رغم ذلك، لا يتمكّن الذئب من الإمساك بالطائر. هذا الأسبوع، وقع الذئب عن مرتفع آخر، فيما الطائر هرع مسرعاً.
الخاسر الثاني هو غوردون براون. فرئيس الوزراء البريطاني المثير للشفقة كان يحاول أن يجيّر الأحداث الدولية إلى منصات لحملته الانتخابية، كما يفعل منذ أن كشفت الأزمة المالية العالمية زيف إدارته ماليةَ بريطانيا لسنوات. مرة أخرى، تمكّن براون من برهنة عدم أهميته العالمية.
الخاسر الثالث هو دول العالم الثالث. نصت «القواعد» الغربية والغبية على وجوب توفير موافقة ما يزيد على 190 دولة لتمرير أي اتفاق ملزم في كوبنهاغن. فرحت دول مثل كوبا، فنزويلا، نيكاراغوا والسودان بفكرة جذب الانتباه إليها، والأموال التي ستتمكن من الحصول عليها بالتهديد بإفشال أيّ اتفاق يحتاج إليه العالم بشدة عبر رفضه. انقلبت النكتة عليهم. إذ إنّهم، في حكمتهم العظيمة، حجبوا موافقتهم المقدسة عن النص. أما النتيجة، فكانت أنّ اتفاق كوبنهاغن لا يحمل أختاماً كما يحمل أيّ اتفاق ممتاز. لكن لم ينتبه أحد لذلك، ولم يهتمّ أحد فعلياً.
* عن «بوليتيكو»: صحيفة يومية أميركية تعنى بالشؤون السياسيّة
(ترجمة ديما شريف)