يوهان هاري*في لاوعينا، لا نزال نعتقد أنّ قادتنا السياسيين هم آباؤنا وأمهاتنا الذين يحافظون على أمننا. بالطبع، سينالون منّا حين يتعلق الأمر بلوائح الانتظار في المستشفيات، أو النقل العام، أو فرض الضرائب على الأغنياء، لكنّهم سيبعدون عنّا الأذى حين يتعلق الأمر بمحاربة خطر وجودي. الأسبوع الماضي في كوبنهاغن، تمّ دحض هذه القناعة. لقد كان كلّ سياسي هناك، بفضل علماء بلاده، مدركاً منذ سنوات بوضوح وصراحة وبساطة، أنّ هناك حداً أدنى يجب أن نقوم به جميعاً لتجنّب كارثة، لكنّهم جميعاً رفضوا التحرّك.
لفهم فداحة ما حصل، يجب أن نعرف بعض الحقائق عن الاحتباس الحراري، وهي حقائق يمكن اعتبارها في البداية غريبة. لقد أكّد علماء المناخ العالميّون أنّ الاحتباس الحراري الذي يسبّبه الإنسان يجب ألا يتخطى الدرجتين. عندما تسمع بالأمر، قد تكون ردة الفعل الطبيعية: هذا ليس كثيراً، كم سيسوء الأمر إذا تخطّيناه؟ إذا خرجت للقيام بنزهة وزادت الحرارة بمقدار درجتين أو انخفضت بالمقدار نفسه، لن ننتبه لذلك. لكن هذه مقاربة خاطئة. فإذا زادت حرارة جسدك بمقدار درجتين، ستصاب بسخونة وتضعف. وإذا لم تنخفض، ستموت. المناخ ليس كنزهة، بل هو أشبه بجسدك.
الدرجتان أمر سيّئ. فهما تعنيان أنّنا سنخسر جزءاً كبيراً من الأراضي المنخفضة في العالم، من جزر جنوب المحيط الهادئ إلى جزء كبير من بنغلادش وولاية فلوريدا. لكن قبل الوصول إلى الدرجتين، نستطيع تثبيت المناخ على مستوى مرتفع إذا خفضنا انبعاثاتنا. أمّا إذا تخطّينا الدرجتين، فسيختلف الوضع، إذ تبدأ عمليات الأرض الطبيعية بالانهيار، وتسبّب مزيداً من الحرارة. هناك كمية كبيرة من الغازات التي تسبب الاحتباس، مجلّدة الآن في سيبيريا، وعند ارتفاع الحرارة درجتين، ستذوب وتنطلق في الهواء. كما تخزن غابات المطر كميات كبيرة جداً من الغازات المسبّبة للاحتباس في أشجارها. وبعد ارتفاع الحرارة درجتين، تخسر هذه الأشجار رطوبتها وتحترق وتطلق الغازات في الجو.
تسمى هذه الحالات «نقاط التحوّل». بسببها يصبح العالم أكثر دفئاً بدرجتين. وهي أيضاً، في الواقع، نقاط اللاعودة المناخية، إذ لا يقع بعدها سوى التسخين. نحن على بعد 6 درجات فقط من العصر الجليدي الأخير، ونحن نستعد للذهاب بعيداً في الاتجاه المعاكس.
إذاً، ماذا يجب علينا أن نفعل لنبقى تحت الدرجتين؟ هناك توافق علمي واسع أنّنا يجب أن نخفض انبعاثات الدول الأكثر تلويثاً بحوالى 40 في المئة حتى عام 2020 إذا كنّا نريد أن ننجح بنسبة 50 في المئة في تحقيق هدفنا. عندها، في 2050، نحتاج إلى اقتطاع 80 في المئة من انبعاثات الجميع. السعي لتحقيق 50 في المئة فقط من هدفنا هو إشارة إلى أنّنا عقدنا تسوية كبيرة مع الوقود الأحفوري، لكنّ قادتنا يرفضون حتى هذه التسوية.
ما جرى في كوبنهاغن كان عاراً كبيراً. الملوّث الأكبر في العالم من حيث نصيب الفرد هو الولايات المتحدة الأميركية، لكن رئيسها أتى وعرض خفض الانبعاثات بنسبة 4 في المئة حتى عام 2020. وعندما تتخطى كلّ الثغر التي طلبها مفاوضوه، تكتشف أنّه يطلب زيادة في انبعاثات أميركا. لقد رضخ للوبيات الغاز والنفط التي تسيطر على مجلس الشيوخ تقريباً. كان ذلك خيانة من قبله لأمن بلده القومي. جدير بالذكر أنّه في 2004، حذر تقرير مسرّب من البنتاغون من أنّ تجاهل الاحتباس الحراري سيسبب «صراعات وخلافات مزمنة، ومرة أخرى ستحدد الحرب مصير الإنسان».
كذلك تصرف رئيس الوزراء الصيني وين جياباو بشكل مخجل. دولته هي المسرّب الفردي الأول للغاز، مع نسبة سكان أكثر ارتفاعاً، وحاجة أكبر إلى التنمية. لكنّه عارض اقتراح 80 في المئة حتى عام 2050، ورفض السماح للدول الأخرى بأن تقوم بفحص التزام الصين بالخفوضات الصغيرة التي التزمت بها. مرة أخرى، هو يخون شعبه الذي يعتمد في مجمله على الأنهر التي تأتي من جليد الهيمالايا التي ستختفي بسرعة. سيُكتَب اسمه في كتب التاريخ الصينية.
لم يكن الاتحاد الأوروبي أفضل حالاً. جلس قادته خاملين ورافضين طرح أي عرض كبير. وحده رئيس جمهورية البرازيل لولا دا سيلفا طرح عرضاً تقدمياً، لكن شجاعته قوبلت بصمت غريب، وتجنّب القادة الآخرون النظر إليه.
إذاً، دعوني ألخص لكم الوضع. لا يوجد اتفاق. رفض قادة العالم أن يتفقوا على تحديد انبعاثات الغاز الخاصة ببلدانهم. أقصى ما استطاعوا الاتفاق عليه كان لحظ البرهان العلمي للدرجة التي يجب عدم تخطيها، من دون وجود أي خريطة طريق تبقينا بعيدين عنها. تستطيع معرفة القيمة لهذه الملاحظة عندما تطّلع على القضايا الأخرى التي لحظها المؤتمر: العمل الشاق لموظفي المطار الأمنيين، ونوعية الطعام في مركز المؤتمرات «بيلا سنتر». يبدو الموضوع مستحيلاً، لكن قادتنا أعطوا فعلاً موضوع المناخ المقدار نفسه من الاهتمام الذي أعطوه للسندويشات الدنماركية.
في العادة، أنا شخص يساند التغيير التدريجي. أغلب التقدم يحصل خطوة خطوة. لكن مع هذه المشكلة، لا نستطيع الانتظار كأنّنا سننتصر مع الجيل المقبل. نقاط التحوّل ستجعل ذلك مستحيلاً. لا تستطيع تفكيك قنبلة سنة بعد أخرى. إذا لم تفككها بسرعة، تنفجر في وجهك.
لقد أُعطي قادتنا البراهين العلمية، وكان ردهم محاولة المساومة بالحقائق عن المناخ. تخيّل شخصاً يدخن 50 سيجارة في اليوم، ويطلب منه طبيبه التوقف فوراً أو يصاب بسرطان الرئة. سيقول: «سأخفف إلى 40 سيجارة يومياً، وسآكل سلطة كل يوم على الغداء، وأستخدم بضع لصقات نيكوتين». هذا هو الرد الرسمي على الاحتباس الحراري.
أين يتركنا كلّ هذا؟ على الأقل، نعرف الآن أنّ البراهين العلمية والعقلانية لن تكون كافية لإقناع قادتنا. لم يعد الأب الجيّد مسؤولاً. لن يحل أحد هذه المشاكل إذا لم نتحرك، نحن شعوب الدول التي تسبب الاحتباس الحراري، ونجبرهم على التنازل. يتحرك السياسيون بعد الضغط الذي يتعرضون له. ويعلم كلّ سياسي في كوبنهاغن أنّه، بسبب توقيع الاتفاق عوضاً عن الانسحاب، سينال سترات واقية من الرصاص من الشركات التي تموّله، ومن شعبه المتعطش للنفط.
هناك طريقة واحدة لتغيير هذه الدينامية، وهي تحرك كبير لمواطنين ديموقراطيين عاديين. استطاع هؤلاء تحقيق المستحيل سابقاً. كانت اقتصاداتنا مبنية على اليد العاملة المستعبدة، كما هي معتمدة على الوقود الأحفوري اليوم. بدت آنذاك أبدية وغير قابلة للتغيير، واعتُبر منتقدوها مجانين، حتى إنّ مواطنين عاديين رفضوا تحمّل ذلك وتجمّعوا وطالبوا بإلغائها.
انتهى وقت تغيير نوع اللمبات التي تستخدمها والتعويل على أنّ كلّ شيء سيتحسن. حان وقت التحرك الجماعي. بالنسبة للبعض، يعني ذلك الانتساب إلى منظمات بيئية مثل غرين بيس، أصدقاء الأرض، أو الحملة ضد التغيير المناخي لمساعدتهم على زيادة الضغط. لكن الذين يستطيعون الذهاب أبعد من ذلك عبر القيام بنشاطات لاعنفية، يجب أن يبادروا لذلك. يجب أن تقطع طريق كلّ قطار يعمل على الفحم من قبل الناس. يجب رفع ثمن تدمير المناخ.
هذه الطريقة تنفع. انظروا إلى بريطانيا. قبل ثلاث سنوات، كان يتم التخطيط لإنشاء ثمانية معامل كهرباء تعمل على الفحم، وبناء مدرج ثالث في مطار هيثرو. اتخذ بضعة آلاف من الأشخاص الشجعان مواقف ضد هذه المشاريع. اليوم ألغيت كلّ معامل الكهرباء الجديدة التي تعمل على الفحم، وتمّ التخلي عن مشروع المدرج الثالث. هنا في خامس أكبر اقتصاد في العالم، أوقفوا الفحم وتوسيع المطار. أحسّ السياسيون بالسخن. فعل ذلك بضعة آلاف من الناس. تخيّلوا ما يمكن عشرات ومئات الآلاف فعله.
يجب أن تكون هناك تحركات موازية لذلك في كل دول الأرض (وخصوصاً في بريطانيا). كان لكوبنهاغن قيمة واحدة فقط. برهنت لنا أنّنا إذا لم نتحرك من أجل الدفاع عن أنفسنا الآن، فإنّ ما من أحد سيفعل.
* عن «هافينغتون بوست»:
موقع إخباري أميركي ليبرالي مناهض للمحافظين، يستقبل مساهمات عدد كبير من الديموقراطيين، منهم الرئيس الأميركي باراك أوباما.
(ترجمة ديما شريف)