مصطفى بسيونيالشخصيات المطروحة إذاً، بالإضافة إلى أخرى طرحت أو ربما تطرح لاحقاً، مثل مفتي الديار المصرية الذي بدأ اسمه يتردد، أعلنت في سياق السجال والمحاجة. ولكن الأسماء الأبرز المذكورة للترشيح لرئاسة الجمهورية في مصر تحمل في طياتها بعضاً من سمات الوعي الجماعي التي طرحها.
البرادعي شخصية دولية شهيرة، لعب دوراً هاماً ــــ قد يتفق معه البعض أو يختلف ــــ كمفتش على أسلحة الدمار الشامل من خلال رئاسته للوكالة الدولية للطاقة الذرية لثلاث دورات متتالية. موسى دبلوماسي مرموق تصدّر الخارجية المصرية ثم الدبلوماسية العربية. سليمان مدير للاستخبارات يتردد اسمه بكثافة مع تزايد الأزمات الفلسطينية، والداخلية على السواء. زويل عالم فذ نال تقدير العالم واحترامه وأفاد البشرية بعلمه.
أسماء لامعة قد يصعب الاعتراض عليها أو على أغلبها. ولكن السمة الأهم أنها أيضاً مقبولة على المستوى الدولي، أي لن يُعترض عليها من الخارج، وخصوصاً من الإدارة الأميركية. والمفهوم بداهة في الأوساط السياسية المصرية أن التوريث لن يمر إلا بموافقة أميركية، وبالتالي فإن طرح أسماء مناوئة لأميركا سيدفعها أكثر لدعم التوريث، والعكس قد يضمن على الأقل حيادها، وخاصة أن النظام الحاكم قد أتقن استخدام فزاعة الإخوان المسلمين كلما ازدادت عليه الضغوط المطالبة بالتغيير، سواء في الداخل أو الخارج.
السمة الثانية التي تجمع تلك الأسماء أن أياً منها لا يمثل انتماءً سياسياً لأي من ألوان الطيف السياسي في مصر، وإن كان طرح اسم مرشح لرئاسة الجمهورية يتحرى البعد عن القوى السياسية الفاعلة أمراً لافتاً، إلا أنه يفهم من جانبين، أولهما أن القوى السياسية المعارضة في مصر أغلبها معادٍ أيضاً للسياسات الأميركية، سواء في المنطقة أو لدعمها نظام مبارك. والجانب الآخر هو تجنب التناقضات بين القوى السياسية، بحيث لا تعكس الأسماء تنافسها بل إمكانية توافقها.
إذا كانت الموافقة الأميركية ضرورية للتوريث، فهل يجب أن تكون ضرورية أيضاً لأي مرشح رئاسي؟
ولكن السمة الأهم على الإطلاق، والناتجة بالضرورة مما ذكرناه سالفاً، هي أن الأسماء المطروحة كانت جميعها بعيدة كل البعد عن حالة الحراك السياسي وصعود النضال الاجتماعي التي شهدتها مصر في السنوات الماضية. لقد انتهت حالة الركود التي عاشتها السياسة المصرية، وبدأت حالة حراك سياسي ممتدة منذ عام 2000، انطلقت بحركة واسعة لدعم الانتفاضة الفلسطينية، ثم مناهضة الحرب على العراق، ثم حركة مناهضة التمديد والتوريث، ثم انتفاضة القضاة للمطالبة باستقلال القضاء، ثم انتخابات برلمانية ساخنة، ثم انفجار غير مسبوق للحركة العمالية وتصاعد للنضال الاجتماعي لم يتوقف حتى الآن. البرادعي وموسى وسليمان وزويل أسماء لم تكن على أي درجة من القرب مما كان يجري في مصر في تلك الفترة. هذا ما ينطبق على الأقل على البرادعي وزويل، أما سليمان وموسى فهما ضمن النظام مباشرة في حالة سليمان وغير مباشر في حالة موسى، وينطبق عليهما ما ينطبق على النظام المصري من نقد شعبي.
السؤال هو: ألم تقدم الحالة السياسية والاجتماعية في مصر على مدى العقد الماضي أياً من الشخصيات التي تنعقد عليها آمال المصريين. ربما يمكن طرح أسماء من بين قيادات الحراك السياسي أو انتفاضة القضاة أو الحركة العمالية أو أحد قادة الإخوان المسلمين الذين حصلوا على 88 مقعداً في البرلمان، مما يعني جماهيريتهم وحيازتهم ثقة شعبية. ولكن ذلك سيتناقض بالطبع مع القواعد التي تحرّتها الترشيحات السابقة.
ليس المقصود التقليل من شأن أي من الترشيحات المذكورة، وخاصة البرادعي، الذي تفاعل مع مسألة الترشيح وقدم رؤيته للتغيير في مصر. ولكن ألا تبدو المفارقة واضحة في أن حالة الحراك السياسي والنضال الاجتماعي التي جعلت الهجوم على النظام والمطالبة بتغييره وطرح أسماء بديلة للرئاسة أموراً ممكنة، بعد مرحلة كان فيها نظام الحكم ورموزه من أقدس المقدسات، تفرض مع ذلك أن تأتي الأسماء المرشحة لقيادة التغيير من خارجها.
تفادي الأسماء التي برزت في الأحداث الهامة في مصر، مثل القاضي هشام بسطاويسي أحد قادة معركة استقلال القضاء، وكمال أبو عيطة قائد معركة الضرائب العقارية ومؤسس أول نقابة مستقلة عن الدولة تضم 40 ألف عضو في كل المحافظات المصرية، والقيادات البارزة لجماعة الإخوان المسلمين، إنما يعبر عن أن الذين يقدّمون أسماءً يتحرّون وقعها على الخارج أكثر من الداخل، وهو قبول مبدئي بأن يحصل الرئيس المصري على الموافقة الأميركية حتى قبل أن يحصل على موافقة ناخبيه في مصر. ولكن من ناحية أخرى يعكس درجة التطور التنظيمي المتواضعة التي نتجت من حالة الحراك الممتدة في مصر على مدى السنوات التسع الماضية. فلم تتطور أشكال تنظيمية متماسكة تضم تجمعات واسعة، سواء سياسية أو اجتماعية، وبالكاد تألّفت خلال هذه الفترة نقابة عمالية. ولا يمكن بالطبع احتساب الوجود التنظيمي للإخوان المسلمين كنتاج لهذه المرحلة، فتنظيم الإخوان قديم وإن كان تأثر إيجابياً خلال تلك الفترة. فوضع تنظيمي متطور، سواء في أحزاب وتنظيمات سياسية أو اتحادات ونقابات، كان على الأقل سيفرض أخذ قبولها لمرشحي الرئاسة في الاعتبار، إن لم تكن هي من يتقدم بالأسماء. تلك أزمة حقيقية تهدد بتبديد هذه الموجة من النضال التي لن تظل صاعدة إلى الأبد.
تبدو المسألة واضحة، فليس هناك ثمة أزمة في الأسماء، ولكنها أسماء الأزمة. وهناك أزمة أخرى مرتبطة بالأولى، وهي القبول مبدئياً بقواعد اللعبة، فإذا كانت الموافقة الأميركية ضرورية للتوريث فيجب أن تكون ضرورية أيضاً لأي مرشح رئاسي، كما لو كان المطلوب هو تغيير اللاعبين فقط، وليبق كل شيء كما هو: التبعية لأميركا، وسياسات الإفقار، والتحالف مع إسرائيل.
بالطبع، فأبسط قواعد الديموقراطية هي حق تلك الأسماء المتداولة وغيرها في الترشح للرئاسة. ولكن مع ذلك، تبقى أزمة التغيير قائمة، ولن تحلها أسماء الأزمة، حتى يتحول الغضب الذي يظهر في الاحتجاجات إلى حركات منظمة.
* صحافي مصري