خالد صاغيةرغم ما حملته السنوات الماضية من مآسٍ وتوتّرات، لا بدّ من الاعتراف بإيجابيّات ظهور نماذج طريفة من الأفراد والمواقف لم يكن لها أن تتصدّر الشاشات لولا الاحتقان الذي ساد في البلاد.
لدينا مثلاً المثقّف الذي دخل بخفّة لا تحتمل إلى حاشية السلطان. آثار الأقدام على بذلاته الجديدة لا تزال ظاهرة. يحاول تنظيفها كلّ يوم، لكنّها تعود بعناد غريب لتذكّره بماضٍ كلّما تناساه، ازداد تلعثماً وتأتأةً.
لدينا المهرّج الذي لا يُضحك أحداً. لكنّه مستعدّ دائماً لسعدنات على الشاشات. يتحدّث في السياسة كمن يقلي بيضةً عند الصباح، وينحطّ إلى التحريض الطائفي بحماسة من يضغط على أزرار «البلاي ستايشن».
لدينا كدسة من المحلّلين السياسيّين الذي يبدأون من قراءة الوضع في رأس النبع لينتهوا في البيت الأبيض، مروراً بالثورة الخضراء وقبائل البشتون. ربطات العنق مشدودة بإحكام، والنبرة واثقة من نفسها تماماً. لكنّ شيئاً ما يوحي دائماً أنّ هذا الولد أو ذاك قد قرأ ورقتين على موقع للإنترنت قبل التحدّث بصفته خبيراً.
لدينا عشرات من الضبّاط المتقاعدين الذين سمَّوا أنفسهم المحلّلين الاستراتيجيّين. فالاستراتيجيا، بحسب هؤلاء، ترداد لأنواع الأسلحة المستخدمة في الحروب. الهيبة العسكريّة لا تتركك تتشكّك لحظةً في عمق ما يدلون به وهم يلوكون الهواء.
لدينا بناة الدولة أيضاً. وهم غالباً من الزاحفين على بطونهم أمام صغار ضبّاط الاستخبارات، ومن مقبّلي الأيادي في بلاطات الذلّ.
لدينا أخيراً أحمد فتفت. إنّه غنيّ عن التعريف. الخيل والليل ومرجعيون تعرفه. لكنّه لا ينفكّ يزيد على مآثره مآثر. آخر ابتكاراته نظريّات في «نعمة» الطائفيّة. وهي توجّهات جديرة بالنقاش لو لم تصدر عن فتفت بالذات، الذي كان لعابه يسيل كلّما تحدّث عن الفتنة المذهبيّة. لقد اكتشف فتفت أخيراً أنّ «الاستخدام السيّئ للطائفية السياسية هو المشكلة»، لكن «كل طائفة عليها مسؤولية اختيار الأفضل وتقديمه إلى الدولة. وعندها سنكتشف أن الطائفية السياسية نعمة في هذا البلد».
اللّهمّ أدِم هذه النعمة علينا. فمَن عنده الطوائف، ما حاجته إلى الدولة أصلاً؟