عصام العريانلقد تجنّب الحزب تماماً التطرق إلى أهم قضية تشغل بال المصريين جميعاً، وهي الانتقال الآمن للسلطة بانتخابات رئاسية شفافة ونزيهة. وتذرّع بأن الوقت ما زال مبكراً لتسمية مرشح الحزب للرئاسة، وكأن المسألة تتعلق بمجرد إعلان اسم المرشح، بينما مصر كلها تتحدث عن آليات انتقال السلطة، وضرورة مراجعة أخرى شاملة للدستور، بحيث يُتاح للمصريين انتخاب رئيس من بين أكثر من مرشح كفء، وليس كما جرى وسيجري وفق المادة (76) بتعديلاتها، أن يُسمي الرئيس الحالي جميع المرشحين بإغلاق الطريق أمام المستقلين، وأيضاً بإغلاق الطريق أمام إنشاء الأحزاب بحرية، وأخيراً بإغلاق الطريق أمام انتخابات عامة برلمانية ومحلية نزيهة وحرّة حيث أُلغي الإشراف القضائي على كل الانتخابات.
ووسط حديث يتصاعد عن تسمية “جمال مبارك” مرشحاً للحزب للرئاسة، وتزكية صريحة من رئيس الوزراء وأغلب الوزراء لشخصيته، وثناء كبير على قدراته، فإن قضية “التوريث” للسلطة باتت كأنها أمر واقع، وسط رفض شديد من النخبة السياسية المصرية، وصمت عجيب مريب من المؤسسات السيادية، وعدم قبول واضح من الشعب المصري، مما يهدد فكرة الانتقال الآمن السلمي، وينذر بحدوث عواقب غير محمودة إذا تحقّق ذلك الاحتمال. وهو ما يصيب جميع المصريين بقلق شديد، فضلاً عن القوى المتربّصة بمصر، والمترقّبة لما يجري فى البلاد.
وجرى التعتيم تماماً خلال المؤتمر على أي إصلاحات سياسية أو دستورية يمكن إقرارها خلال الدورة البرلمانية القادمة، بل إن القوانين المعلّقة، مثل قانون الانتخابات أو قانون الإرهاب وإنهاء حالة الطوارئ، التي وعد الرئيس بإنهائها، أو تعديل جديد للمادة (76) والمادة ( 77) من الدستور لتقتصر مدد الرئاسة على دورتين فقط، كل ذلك لم يتطرق إليه حزبي واحد بالحديث، فضلاً عن القادة.
أصبح الحزب الوطني الحاكم أمام استحقاق نهاية المطاف، لا بداية إعادة البناء كما وعد منذ سنوات
بل الأشد وقعاً، كان الهجوم المتواصل والشديد على الإخوان المسلمين والأحزاب والقوى المعارضة المصرية والإعلام المستقل، وهو ما حظي بتغطية إعلامية مكثفة، وكأن الحزب يخشى فعلاً على صورته المجتمعية، ويريد خلق منافسين له في الساحة السياسية. فكان الإخوان بالذات هم الغائبين الحاضرين في جلسات المؤتمر ولجانه، إلى الحد الذي دفع قادة أمنيّين سابقين وبرلمانيين حاليّاً إلى المطالبة علانية بمصادرة ممتلكات الإخوان.
معلوم أن المنافس الشعبي الرئيسي للحزب هم الإخوان المسلمون، ولكن الحزب وقيادته تحرم الإخوان الشرعية القانونية، وتصرّح مراراً وتكراراً أنهم لن يسمحوا لهم بتأليف حزب سياسي، بل عدّلوا مواد دستورية لتمنع الإخوان وغيرهم من القوى الإسلامية من حق التقدم بطلب لتأسيس حزب.
ومعلوم أن الحزب الوطني ووزارة الداخلية وقوات الأمن تطارد أعضاء الإخوان باستمرار، وتصادر ممتلكاتهم وتغلق شركاتهم، وتشرّدهم من وظائفهم، ولذلك كان من المستغرب أن تكون النغمة السائدة فى أروقة مؤتمر الحزب هي الهجوم المستمر على الإخوان، لأنه إذا كان الإخوان غير موجودين أو ضعفاء أو غير منافسين محتملين وفق الدستور والقانون، فلماذا كل ذلك الهجوم الشديد؟ لذلك ردّ المرشد العام للإخوان على وصلة الهجوم من أمن تنظيم الحزب بقوله فلينافسونا في الشارع بعيداً عن سطوة الأمن وبطشه، ونحن نرضى بحكم الشعب بيننا، وهذا من أبسط قواعد السياسة والديموقراطية.
أمّا المعارضة، فإن كواليس النخب السياسية تتوقع أن تبرم الأحزاب الرسمية الأساسية صفقة مع الحزب الحاكم فى الانتخابات القادمة، تحصل بموجبها على حصة من مقاعد البرلمان، شريطة أن تكمل ديكور الانتخابات الرئاسية، ويجري بموجب ذلك حرمان الإخوان غالبية مقاعدهم الـ (88) التى تمثّل 20% من مقاعد البرلمان، وتوزّع معظمها على حزبيّين ومستقلين يكوّنون معارضة مستأنسة للنظام داخل البرلمان.
وفى الحقيقة، فإن المواطن العادي المصري لم يشعر بالحزب، ولا بوجوده فى الشارع، ولم يشعر بالمؤتمر ولا بانعقاده، ولا بقراراته التي لم تخرج عن وعود برفع معاش الضمان الاجتماعي، وإصدار قانون التأمين الصحي الشامل، ورفع أسعار بعض المحاصيل الزراعية كالقمح وقصب السكر والشمندر، وسط موجة عالية من الاحتجاجات الاجتماعية التى لم تنقطع منذ سنتين يطالب منفّذوها بإصلاح شامل للأجور وكبح جماح الأسعار الملتهبة، ووسط مطالبات فئوية لم يترك رافعوها قطاعاً من قطاعات العاملين بالدولة، أو حتى في وزارات سيادية، مثل “العدل” إلّا وطرقوا بابه، وتظاهروا محتجّين على أوضاعهم الحياتية.
كل هؤلاء لم يشعروا بأن الحزب ومؤتمره قدّما إليهم جديداً من أجلهم، لا في تسكين مشاكلهم ولا فى بعث أمل جديد فى إصلاح سياسي ودستوري جادّ لوضع البلاد على طريق الإصلاح الشامل. لذلك أحسّ الجميع بأن المقصود بالمؤتمر كان التمهيد لمرشح الحزب القادم للرئاسة، الذي يصرّ معظم المراقبين على أنه السيد جمال مبارك.
توقفت مسيرة إصلاح الحزب الوطني الديموقراطي بعد بداية متواضعة بسبب فشل الحزب وكوادره الجدد، الذين يريدون إزاحة الحرس القديم، في الحصول على أغلبية الانتخابات التى خاضوها عام 2005، بل هم حصلوا فقط على 30%، فاضطروا إلى اتّباع أساليب الحرس القديم أو شخوصه لاستمالة الفائزين من المستقلّين. وبذلك استمر الأمين العام المخضزم السيد صفوت الشريف فى موقعه، راسخاً كصمام أمان للحزب، وكحكم يمسك بخيوط عديدة. وشعر رجال الأعمال، الذين سيطروا على لجنة السياسات وأمانتها، بأنهم معزولون عن الشعب، وفاشلون في الحكم، وبأن صورتهم في الأذهان سلبية ومشوّشة، فدافعوا عن أنفسهم لا عن الحزب، زاعمين أنهم يشجّعون الاستثمار ولا يشجعون رجال الأعمال! وأصبح الحزب الآن أمام استحقاق نهاية المطاف، لا بداية إعادة البناء، كما وعدوا منذ سنوات، بسبب الفشل في التحوّل إلى حزب حقيقي جادّ قادر على المنافسة المشروعة وفق قواعد اللعبة السياسية الحقيقية أمام القوى المختلفة. وفى الحقيقة، فإن ذلك يعنى أيضاً أن التعددية الحزبية المقيّدة حالياً في حاجة إلى رصاصة الرحمة لإنهاء وضع سياسي شاذّ لا يليق ببلد حضاري عريق كمصر المحروسة. والشعب في الانتظار قبل أن يحدث الانفجار.
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين بمصر