خالد صاغيةربّما يكون العماد ميشال عون قد ربح في معركة الكباش السياسي لتأليف الحكومة. لكنّه، بالتأكيد، ربح أكثر بالطريقة التي اختار بها وزراءه، وذلك لأسباب عدّة.
لقد بدا عون، شكليّاً على الأقلّ، كأنّه فضّل التغيير والإصلاح، على تكتّل التغيير والإصلاح. فلم يختر وزراء حزبيين (باستثناء الصهر جبران باسيل)، ولم يختر وزراء يستنفرون العصبيّة المسيحيّة، بل وزيرين واضحين في انتمائهما العلماني، ولم يختر للسياحة من يسمح بالاستمرار في تهميش القطاعات الإنتاجية الأخرى، بل اختار لها رئيس جمعية الصناعيين. وعاكس توقّعات الخصوم، فلم يختر لحقيبة الاتصالات دميةً يستمر باسيل في إدارة الوزارة من خلالها.
لكن، يبقى لاختيارات عون عنوان أكثر وضوحاً: إنّه اسم شربل نحّاس.
يضخّ اختيار شربل نحّاس حياةً في شعار التغيير والإصلاح. فهو الخبير الذي وضع إمكاناته الفكرية والعملية في خدمة الشأن العام. وهو الذي لم تستطع كلّ الإحباطات أن تخفّف من حماسته للتغيير، ومن إيمانه بضرورة الإصلاح. وحين كان الوحش يأكل كلّ شيء، وكان الجميع يطأطئون رؤوسهم إمّا تأييداً وإمّا صمتاً، كان شربل نحّاس لا يملّ من حمل ملفّاته متنقّلاً بين ندوة وندوة، وبين لجنة ولجنة، وبين وزارة ووزارة.
أدّى نحّاس دوراً أساسياً في تخلّص التيار الوطني الحر من ورقته الاقتصادية الفضيحة التي كانت قد صيغت قبيل انتخابات 2005. وهو الخبير الذي يسدّ ثغرة مهمة في الخطاب العوني، إذ يردف شعارات مكافحة الفساد بالتشديد على العمل من أجل تغيير السياسات الاقتصادية نفسها، لا وقف مزاريبها وحسب. ويستطيع نحاس، بفضل متابعته الدقيقة للملفات الاقتصادية، كسر الصنميّة التي باتت تحيط ببعض المشاريع الكارثيّة كالخصخصة وباريس -3. فهو لا يملك كلاماً أيديولوجياً وحسب، يواجه به تلك المشاريع، بل يقدّم أيضاً بدائل عمليّة.
لقد قال ميشال عون ذات مرّة إنّ الحريريّة أشبه بحبل مشنقة. الأرجح أنّه كان يقصد القول إنّ السياسات الاقتصاديّة الحريريّة أوصلت البلاد إلى حافّة الانتحار. إن كان ثمّة خبراء اقتصاديّون يمكنهم فضح تقنّيات ذاك الحبل، والعمل الجادّ لمنعه من التحكّم برقاب اللبنانيين، فإنّ شربل نحّاس هو بالتأكيد واحد منهم.