إن ما وصل إليه الوضع الفلسطيني في هذه المرحلة يكاد يبعث على اليأس، وينذر بضياع قضية فلسطين وتصفيتها نهائياً. وقد سمعنا بالأمس، ونسمع كل يوم، اتهامات متبادلة بالعمل ضد المشروع الوطني الفلسطيني أو حتى تدميره. من هنا، فإن السؤال المركزي هو: هل هناك (فعلاً) مشروع وطني فلسطيني (اليوم)؟
رمضان عبد الله شلّح *
للأسف ليس هناك مشروع وطني فلسطيني اليوم. وبالتالي، ليس هناك برنامج وطني فلسطيني، وليس هناك استراتيجية وطنية فلسطينية شاملة. هناك مشاريع فصائلية وبرامج فصائلية. وما يسمى اليوم بالمشروع الوطني الفلسطيني ما هو إلا بقايا من تاريخ مضى ورثه الإخوة والأشقاء في حركة فتح التي نكن لها كل الاحترام وكل التقدير لتاريخها ونضالها واجتهادها. وما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني اليوم، هو مشروع حركة فتح، والبرنامج السياسي المطروح هو برنامج حركة فتح، وعن تمثيل هذا البرنامج وهذا المشروع للكل الفلسطيني، فكلنا ندرك ونعلم أن أكثر استطلاعات الرأي اليوم، بغض النظر عن موقفنا جميعاً أو موقف أي طرف من هذه الاستطلاعات وكيف تجري، لا تعطي حركة فتح المناضلة في أحسن الأحوال أكثر من 40%. ورأينا نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006 بما لها من دلالة. وهذا يؤكد أن ما يوصف بالمشروع الوطني اليوم هو مشروع الإخوة في حركة فتح. وحتى منذ أوسلو لا يمكن وصف هذا المشروع بمشروع منظمة التحرير الفلسطينية، لأن فصائل العمل الوطني المشاركة في منظمة التحرير، لا سيما الجبهتين الشعبية والديموقراطية، حتى وإن قبلوا بمبدأ التسوية، فهم معارضون لنهج أوسلو ومساره.
إذاً، ليس هناك مشروع وطني يعبر عن الكل أو المجموع الفلسطيني اليوم، ولا حتى يعبر عن الأغلبية إذا تذكرنا النسب التي ذكرتها الآن. هناك مشروع الإخوة الأعزاء في حركة فتح، وهو على نحو مجانب للصواب يوصف بالمشروع الوطني الفلسطيني. لذا، فعندما يطرح أي تنظيم فلسطيني اجتهاداً مغايراً، فالخلاف ليس مع المشروع الوطني الفلسطيني، ولا يمثل ذلك خروجاً على المشروع الوطني غير الموجود أصلاً، بل هو خلاف مع مشروع تنظيم فلسطيني في الساحة، وبرنامج الإخوة في حركة فتح، ومثل هذا الخلاف أو الاختلاف حق مشروع، وليس جريمة أو خيانة وطنية كما يصورها البعض.
وعند هذه النتيجة، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: هل يمكن بناء مشروع وطني فلسطيني؟ يعبر عن الكل الفلسطيني ويحظى بإجماع فلسطيني؟ بمعنى آخر، هل يمكن صياغة برنامج وطني فلسطيني موحد واستراتيجية فلسطينية موحدة وشاملة؟
الإجابة صعبة، لأننا لا نريد تبسيط الأمر أو تسطيح المسائل، لكننا نقول بكل ثقة وموضوعية، هذه المهمة ليست مستحيلة، لكنها شاقة وشاقة جداً. لماذا؟ لأنها محصلة صراع إرادات... إرادة قوى خارجية معروفة، على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تريد بناء مشروع وطني فلسطيني حقيقي يحرر الأرض ويستعيد الحقوق، وبين إرادة الشعب الفلسطيني التي برهنت حتى اللحظة أنها عصية على الكسر أو الهزيمة.
سلطة أوسلو باتت بديلة من منظمة التحرير وبديلاً من القضية وبديلاً من فلسطين
لو أردنا بناء المشروع الوطني من جديد، فما هي منطلقات هذا المشروع؟ نحن لا نريد أن نفرض على الآخرين المنطلقات والمرتكزات الأيديولوجية والتاريخية والسياسية التي تؤمن بها حركة الجهاد الإسلامي، أو حركة حماس. دعونا نحتكم في المنطلقات إلى الميثاق الوطني الفلسطيني. أليس الميثاق هو المرجعية الفكرية والسياسية للمشروع الوطني؟ أين هو الميثاق، واسمحوا لي أن أقول أين هو الميثاق طيب الله ثراه؟ من يذكره؟ من يحتكم إليه؟ أقول لمن خانته الذاكرة ولم يحضره ما حل بالميثاق، في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني الذي عقد في غزة عام 1998، على شرف الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وكلنا نذكر كلينتون، زوج السيدة التي قبلت استقالة أبو مازن وقالت له: مع السلامة. في ذلك اليوم، شُطبت 12 مادة من الميثاق، وعُدّلت 16 مادة من ذلك الميثاق، وبقيت خمس مواد إدارية وتنظيمية من مجموع 33 مادة يتكوّن منها الميثاق الوطني الفلسطيني. إذاً، لم يعد هناك ميثاق وطني فلسطيني، وبالتالي لم يعد هناك مشروع وطني فلسطيني يرتكز على الثوابت التي نص عليها الميثاق.
هذا عن المنطلقات، فماذا عن الأهداف؟ كلنا يعلم أن أهداف المشروع الوطني الفلسطيني من عام 1920 كانت فلسطين كل فلسطين.
وأيضاً كلنا يعلم أنه منذ البرنامج المرحلي عام 1974، وبرنامج الجزائر عام 1988، والهدف لدى منظمة التحرير والإخوة الأعزاء في فتح هو دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران الذي عرف في ما بعد بحل الدولتين.
أين ستقام الدولة الفلسطينية؟ ومتى ستقوم؟ حسب اتفاق أوسلو الدولة قامت في 4 أيار/ مايو 1999(!) أليس هذا هو الجدول الزمني الذي نص عليه اتفاق أوسلو لإقامة الدولة بعد انتهاء ما يسمى مفاوضات الحل النهائي... فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي ما تسمعون وترون مما يجري داخل فلسطين، وما سمعناه من أبو مازن بالأمس القريب!
البعض يقول: هل إصراركم على تحرير كامل الأرض، واستعادة كل الحقوق، يمنع الاتفاق مع من يطالب بأقل من ذلك؟ من جانبنا، هذا لا يمنع أن نمشي مع إخواننا مسافة العشرين خطوة التي جعلوها سقفاً لمشروعهم وهدفهم، ثم نكمل معاً أو فرادى، عندما يأذن الله وتتغير موازين القوى، بقية المسيرة.
لكن المشكلة في أن الطرف الآخر يصر على أن هذا الجزء من الأرض والحق لا يمكن استعادته إلا على طاولة المفاوضات، وهذا ينقلنا للحديث في النقطة التالية المتعلقة بالوسائل والخياراتهناك من يقول إن هناك صراع خيارات في الساحة الفلسطينية، أو بالأحرى إن هناك خيارين رئيسين: خيار المقاومة، وخيار التسوية أو المفاوضات. من جانبنا، نحن نقول بكل صراحة، إننا لا نعتبر المقاومة أو الجهاد ضد الاحتلال والغزو الأجنبي خياراً يمكن أن نمارسه أو نتخلى عنه. المقاومة ضد الاحتلال واجب شرعي، ووطني، وقومي، وإنساني، وأخلاقي، وهي فوق هذا كله ضرورة تمليها التجربة في التعامل مع المشروع الصهيوني الذي لا يفهم إلا لغة القوة والمقاومة. الجهاد في ديننا فريضة شرعية، والمقاومة واجب وطني. ورغم ذلك، نحن من أجل الوحدة التي هي أيضاً فريضة، نتجاوز أحياناً الحديث عن الجهاد والمقاومة بلغة الفرائض والواجبات، ولتكن خياراً نطالب بأن يعطى فرصة، بعدما أثبت جدواه في لبنان وفلسطين، ولقن العدو دروساً قاسية وأوقع به الهزائم. رغم ذلك، فإنهم يرفضون المقاومة حتى كخيار، بل تلاحق ويزج بها في السجن ويصرون على أن الخيار الوحيد المسموح به الذي يُرفع إلى مستوى الواجب والقداسة والفريضة هو المفاوضات. هل هذا موقف نابع من عقل فلسطيني أو قلب أو ضمير فلسطيني؟ بالطبع لا. هذا ما أملته موازين القوى وإرادة الأعداء، وما زال الفلسطيني يكابر ويقول إن ذلك خيار يمكن أن نتبناه.
كيف سنحل هذه المعضلة، إذا ما أردنا صياغة مشروع أو برنامج وطني فلسطيني؟ أترك للشعب الفلسطيني الإجابة عن هذا السؤال متسلحاً بدينه وضميره ووعيه وحقه وكرامته التي لا يمكن أن يفرط بها مهما كان الثمن.
إذاً، في المنطلقات والأهداف والوسائل والخيارات، البون شاسع والمعضلة كبيرة. لكن لا نفقد الأمل. وهنا حتى لا أطيل، ولعلي أطلت، تبقى ثلاث نقاط أحاول الإيجاز فيها ما أمكن، وهي: المؤسسة أو الإطار الحامل للمشروع الوطني، ثم الحاضنة، ثم المخرج وأولويات النضال.
كانت منظمة التحرير الإطار التنظيمي الحامل للمشروع الوطني الفلسطيني. لكننا اليوم نسأل أين هي المنظمة؟ لقد تم تفريغها في سلطة أوسلو بعدما استُخدمت لولادة مشروع أوسلو بالتوقيع على ما سمي برسائل الاعتراف المتبادل. وهو ليس اعترافاً بين دولة ودولة، بل اعتراف منظمة التحرير بحق دولة الاحتلال في الوجود، ونبذ المقاومة تحت مسمى الإرهاب، واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل للفلسطينيين.
لقد استُخدمت المنظمة لتمرير مشاريع واتفاقات لا تمتّ بصلة للأهداف التي قامت من أجلها منظمة التحرير الفلسطينية. شطبت الأهداف، وشطبت المنظمة عملياً، وكُرّست السلطة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. وليس هذا من قبيل المبالغة، بل هذا هو الواقع. أليست السلطة هي التي تعيّن السفراء باسم فلسطين اليوم، وليس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ أليست السلطة هي التي تختار وتنتدب الممثلين في المؤتمرات والمحافل الدولية، وليس منظمة التحرير؟ أليس الصندوق القومي الفلسطيني يتبع وزارة المالية التابعة للسلطة التي تعيش على فتات ما تجود به ما تسمى بالدول المانحة اليوم؟ كل هذه حقائق تؤكد أن منظمة التحرير بعدما استخدِمت للتوقيع، جرى تفريغها في مؤسسة تسمى سلطة أوسلو.
لم تعد السلطة هي بديل منظمة التحرير الفلسطينية فقط، بل للأسف تُطرح اليوم وكأنها بديل من فلسطين، وبديل من القضية. القانون الأساسي للسلطة أصبح يشار إليه من حيث ندري أو لا ندري بالدستور الفلسطيني، وكأن لدينا دولة وكل ما ينقصنا أن نتباهى ونتفاخر بالدستور الفلسطيني، رغم أن عدونا لم ينجز حتى الآن دستوراً لهذا الكيان الذي أقامه على أنقاض وطننا. هذا الذي يشار إليه اليوم بالدستور الفلسطيني، يختزل فلسطين بمناطق السلطة، بالضفة وقطاع غزة، ويختزل الشعب الفلسطيني بأهلنا وشعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون النظر إلى ملايين اللاجئين وحق العودة. تحت سقف السلطة اختُزلت قضية فلسطين باللغة التي يريدها ويفهمها الغرب والأميركيون والأوروبيون، بأنها قضية إنسانية، قضية وقود وحصار وغذاء ودواء، قضية لقمة العيش للإنسان الفلسطيني، وليست قضية الأرض والحرية والسيادة.
تحت سقف السلطة اختُزلت قضية فلسطين بأنها قضية لقمة عيش لا قضية الأرض والحرية
إذا كانت القضية قضية لقمة عيش، فالسلطة صُمِّمت خصيصاً لهذا الغرض. أما إذا كانت القضية قضية وطنية وقضية تحرر وطني، فيجب أن يكون الإطار المؤسسي الجامع لكل القوى هو منظمة التحرير الفلسطينية، بعيداً عن الصنمية والقداسة المفتعلة التي يجري الحديث بها أحياناً عن منظمة التحرير. فالمنظمة أو أي مؤسسة تستمد شرعيتها من الأهداف التي قامت من أجلها. والذين أسقطوا الأهداف التي قامت من أجلها منظمة التحرير الفلسطينية هم الذين يسقطون شرعية منظمة التحرير، لا حركات المقاومة الفلسطينية. منظمة التحرير قامت من أجل تحرير فلسطين، ومن هذا الهدف ما زالت تحتفظ باسمها إلى اليوم. القداسة هي لهذا الهدف، لهذا العنوان، لهذه المهمة المقدسة. فعندما يُسقط هدف التحرير، تسقط المنظمة وشرعية المنظمة أو على الأقل تضعف شرعية المنظمة، من جانب من يسقط هدف التحرير، لا من جانب فصائل المقاومة التي تقدّم الدم والروح من أجل هذا الهدف المقدس، هدف التحرير.
تبقى مسألة الحاضنة. عندما نسأل شركاء المسيرة والدم والمصير، وهكذا هي علاقتنا بكل إخواننا في القوى والفصائل الفلسطينية، لماذا حدث كل هذا؟ يقولون بكل بساطة لقد انكشف ظهرنا وليس هناك حاضنة عربية أو إسلامية لقضية فلسطين. نعم، غابت الحاضنة، بالمعنى الذي اعتادت عليه القضية الفلسطينية، عندما انزلق صاحب الحق وقدّم التنازلات التي وجد فيها البعض، لا الكل، مبرراً للتحلل من كل التزام تجاه فلسطين. لكن العجيب في الأمر أنّ من يحاول أن يشكّل حاضنة للمقاومة في الأمّة، مهما كانت متواضعة ومراعية للجميع، نجده اليوم في موقع الاتهام، وهذا ما تتعرّض له سوريا حاضنة المقاومة اليوم، وهذا ما تتعرض له اليوم الجمهورية الإسلامية في إيران. ما هي تهمة سوريا؟ ما هي تهمة إيران اليوم؟ ما هي تهمة حزب الله؟ الذين وفروا لهؤلاء اللاجئين ولهؤلاء الذين يصرون على أن فلسطين هي أرضنا وليست أرض ذاك العدو الغازي، وأن القدس هي قدسنا وليست قدسهم، وأن الأقصى هو أقصانا وليس أقصاهم... هؤلاء يصبحون في موقع اتهام في الأمة! إن هذا والله لمن العيب والعار، ومن المخجل أن يصدر صوت فلسطيني يدين الإسناد والدعم العربي لفلسطين ويريد أن يقطع الصلة بين الأمة وهذه القضية المقدسة، بينما يسمح لكل شياطين الأرض وعلى رأسهم أميركا بإدارتها وربيبتها هذا الكيان الغاصب أن يكونوا شركاء لنا في تحديد مصير فلسطين ومستقبل فلسطين. هذا لا عيب فيه، أما العيب فأن تؤوي سوريا خالد مشعل ورمضان عبد الله وأبو موسى وقادة الفصائل وغيرهم من قيادات شعبنا الفلسطيني، أو أن تمد إيران الإسلام يد العون لشعب محاصر ومجوّع ومضطهد ويتعرض للعدوان كل يوم.
وإنه من المعيب على الوضع العربي أن يصر على أن الخيار الاستراتيجي للعرب اليوم هو السلام فقط، وأن الخيار البديل من السلام هو السلام. مع من تريد السلام؟ مع أهل السلام، ومن هم أهل السلام؟ إسرائيل السلام! هذه المعزوفة يجب أن تنتهي. من المعيب أن نصر على أن لا بديل لدينا بعد إثبات فشل هذا الخيار المسمى زوراً خيار السلام إلا خيار السلام، ونحن نواجه عدواً متغطرساً قلت عنه في مخاطبة أهلي وشعبي قبل أيام في قطاع غزة، إنه كيان اخترع وغُرس في قلب الأمة لينتج الحروب؛ وظيفته إنتاج الحروب في المنطقة لا صنع السلام للمحافظة على معادلة سايكس بيكو، وبسط الهيمنة الصهيونية والغربية في هذه الأمة. أليس ما يتعرض له الشعب الفلسطيني كل يوم من مصادرة الأراضي للاستيطان، وتهويد القدس، وتهجير أهلها وهدم منازلهم، أليست هذه حرباً مستمرة ضد الشعب الفلسطيني؟ ثم نقول لا خيار لدينا في مواجهة هذه الحرب إلا السلام ثم السلام. هذا ليس هو السلام، إن كان الأمر كذلك فهو الاستسلام بعينه لهذا الكيان المتغطرس واللعين. وأقول لكل من يراهن على أن تصفية قضية فلسطين هي الحل، إن فلسطين ستبقى شوكة في حلق الجميع ما دامت شوكة الاحتلال وخنجر إسرائيل مغروساً في قلب الأمة فلسطين..
يبقى السؤال الأخير: ما المخرج وما السبيل إلى الخروج من هذه الأزمة ومن حالة الإحباط التي تدفع إلى اليأس من فلسطين وقضيتها؟ هل المخرج هو الانتخابات الفلسطينية في كانون الثاني/ يناير المقبل كما تقول المراسيم؟ أم المخرج هو إتمام المصالحة بالورقة المصرية التي تعثرت ووقفت تراوح مكانها؟ أم المخرج هو ما أعلنه رئيس السلطة بالأمس من أنه لن يرشح نفسه للانتخابات؟
الانتخابات في كانون الثاني/ يناير ليست حلاً وليست مخرجاً يمكن أن يخرج الحالة الفلسطينية من أزمتها ومأزقها الراهن. هذه الانتخابات ستكرّس الانقسام، بل ستنقلنا من الانقسام إلى الاقتسام، نعم الاقتسام، أي أن تقتسم فتح وحماس إدارة الضفة وغزة في ظل الاحتلال والهيمنة الصهيونيين، وتكرس القطيعة والانقسام بين غزة والضفة إلى أمد لا يعلمه إلا الله.
كما أن المصالحة بالصيغة المطروحة ليست حلاً للمأزق الفلسطيني. المأزق بنيوي وتاريخي وتراكمي، ويجب ألا نحمّل المصالحة المطروحة أكثر مما تحتمل لأنها مجرد معالجة لجزئيات مشروع السلطة الحالي ومكوناته، من انتخابات، وأجهزة أمن، ووزارات، ولا تلامس المشروع الوطني بتعقيداته التي أشرنا إليها، لكنها يمكن أن تكون مفتاحاً للخروج من الأزمة. لقد تعطلت مسيرتها في اللحظة الراهنة، لكن الاتصال مع الإخوة في القاهرة لم ينقطع وما زال هناك أمل ومتسع لمزيد من الجهد في هذا المجال.
أما إعلان أبو مازن عن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، فهو بالنسبة لنا وفي رأينا لا يمثّل مخرجاً، وإن كان ما قاله له دلالات كثيرة أهمها أنه اعتراف صريح بأن طريق التسوية وصل إلى طريق مسدود، وهو لن يوصل بأي حال من الأحوال إلى دولة فلسطينية، وإن كان أبو مازن قد أحجم عن قول ذلك، ولم يقل الحقيقة كاملة لأسباب نعرفها.

* الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين