فيروز أطال اللّه عمرك
كانت الساعة تشير إلى السابعة وبضع دقائق حين تركت منزلي في منطقة جونية، وعندما أصبحت مقابل جسر المشاة في نهر الموت كانت تقارب التاسعة.
على الجسر عمال يحاولون تعليق لافتة كبيرة، حاولت قراءتها. ماذا يفعل العالق في «عجقة» تبدو أبدية: قرأت العبارة المكتوبة بخط عريض تقول: «الاستقلال خالد برجال». اللافتة تتأرجح، خطر لي أنها مجرد قطعة قماش تقول الكلام العقيم نفسه، وأن ثمّة إخواناً لها في طريقها إلى التعليق، وهي ربما المسؤولة عن هذا الازدحام. وبما أن السير واقف لا يتحرك، أتيح لي أن أرى عبارة أخرى تحت الأولى بخط أرفع: «يفكرون بعقول الفهم ويبصرون بعون العلم» (ربما المقصود «بعيون»).
الوقت المخصص لأغاني فيروز صباحاً في الإذاعات نفد كله. حاولت التفتيش عن محطة قد تقدم على الأقل شرحاً لما يحصل ويعوق السير إلى هذا الحد. جاءني صوت فيروز عبر أثير «ميلودي أف. أم». قلت: «خيّ». قطع الأغنية صوت سنا نصر، فإذا بها تقدم حلقة خاصة من برنامجها «هوا بيروت» تحية للسيدة فيروز في عيد ميلادها.
اتصالات كثيفة من لبنان، سوريا، مصر وليبيا... سنا تتحدث عن هذه السيدة العظيمة وتتلقّى مداخلات تحاول وصف حالة اسمها فيروز، بظاهرة استثنائية، بامرأة تختصر أبهى ما في وجداننا الإنساني من بهاء.
تحدثت سنا عمّا أصبح شبه تقليد في سوريا منذ أعوام. في سوريا يحتفلون بعيد ميلاد السيدة فيروز. خطر لي أن أتصل وفي بالي «عجقة» كلام وانفعالات أين منها طوابير السيارات المترامية على الأوتوستراد أمامي.
كنت أريد أن أقول لهذه السيدة كم نحن محظوظون لكوننا ننتمي إلى وطن تنتمين إليه. ولأننا في فيء صوتها ربينا، وأحببنا، وعشنا أفراحنا وانكساراتنا. كنت أريد أن أقول لها: سيدتي صوتك حياة، صوتك وطن. الحياة تضيق فكيف تكون ممكنة لو لم يعجن خبزها في نغمة تطلقها حنجرتك. من صوتك نستعير دفئاً لأيامٍ عزَّ فيها حتى الحطب، وما أكثر اليباس.
حاولت، لم ينجح الاتصال، خشيتُ أن يضبطني شرطي سير بجرم التحدث إلى الهاتف أثناء القيادة. ظل السير من دون حراك. الدقائق تمر، يجب أن أصل إلى المكتب قبل العاشرة. قد أستطيع الاتصال من هناك. وصلت قبل العاشرة بدقائق معدودة. اتصلت. قالت سنا: نتلقى الاتصال الأخير. رحّبت بي، لكنني أضعتُ معظم الكلمات. شعرتُ أن حبر الدنيا كلّه لو أهرق على الورق فلن «يقول» فيروز. فهل يقولها أو يلامس ما لها فينا اتصال!
سيدتي، أطال الله عمرك.
إلهام نصر تابت