خالد صاغيةمن هو جورج أبو ماضي؟
بعد قتله، اختلفوا على تعريفه. إنّه ناشط في التيار الوطني الحر. إنّه ابن البلدة الشوفيّة. إنّه المسيحي الذي طُعن في عين الرمّانة من شيعيّ من الشيّاح. إنّه الرسالة التي يُراد توجيهها عشيّة القمّة السوريّة ـــــ السعوديّة. إنّه الإنذار الذي دُقَّ جرسه بأنّ المماطلة في تأليف الحكومة ستترك البلاد مفتوحة على احتمالات أمنيّة شتّى...
إنّه مجرّد مواطن آخر يهوي حيث لا يزال القتل مباحاً، ولا يزال استغلال القتل في البازارات المفتوحة عادةً لا تجد من يردعها.
تحوّل الشاب المغدور فجأةً إلى صورة مصغّرة عن هواجسنا ومخاوفنا. كان كافياً أن يسقط بطعنة في منطقة لا تزال تدعى خطوط التماس، حتّى يلوح شبح الحرب من جديد. تلك الحرب الأهلية التي يفترض أنّها انتهت منذ تسعة عشر عاماً، لكنّها لا تزال تسكن تحت حجارة البيوت وفوق غبار الأرصفة.
طعن أبو ماضي لم يشعل ذاكرة الحرب وحسب، بل كانت له استخدامات في لعبة النفاق السياسي. كأنّ تلك اللعبة لم تكتفِ بتوفير ظروف قتله، فأرادت أن تتأكّد من إخفاء جثّته أيضاً.
هكذا يصبح سقوط أبو ماضي مناسبةً لتأجيج المشاعر الطائفيّة ممّن لا يضيّعون فرصة في سبيل ذلك. فالدماء هي القوت الذي تتغذّى به عصبيّاتنا.
وهكذا يصبح سقوط أبو ماضي مناسبةً لإطلاق النار على التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب اللّه، ما دام هذا التفاهم لم يمنع سقوط القتلى على خط التماس المسيحي ـــــ الشيعي.
لا أحد يذكر أنّ أبو ماضي طُعن إثر مشكلة بين شباب الضواحي، وأنّ الوسيلة التي استُخدمت هي من النوع الذي يشير إلى مخزون العنف في تلك المساحات التي لم تستطع العطاءات الحزبيّة والطائفيّة أن تسدّ فيها إهمال الدولة.
الدراجات النارية والبينغو هي كل ما بقي لهؤلاء الشبان من تسلية. هذا النوع من «التسلية» بات قاتلاً. حاول أبو ماضي أن يمنع سيل الدماء، لكنّ سكيناً كانت بانتظاره. سكّين تُغرَز منذ زمن في قلب كلّ واحد منّا. وحده جورج أبو ماضي امتلك الجرأة الكافية لإعلان أنّ هذه السكّين تقتل.