خالد صاغيةيستطيع أي دكتاتور في العالم أن يخرج إلى شعبه ويخاطبه قائلاً إنّه، بصفته الأذكى والأقوى والمفدّى، وبما أن أفراد الشعب كافة من رعاياه المطيعين، اتّخذ قراره بأن يفعل كذا وكذا، وما عليهم إلا أن يطيعوا أوامره. وإذا كانت قبضة هذا الدكتاتور ممسكة بالأمور كما يفترض بأمثاله، تمرّ قراراته من دون اعتراض يُذكَر، ويكون له ما يريد.
لكن، بعكس الصورة الشائعة، ليست الدكتاتوريّة والغباء متلازمين. ولأنّ الدكتاتور قد يكون ذكيّاً، غالباً ما لا ينفّذ السيناريو الموصوف أعلاه. بدلاً من ذلك، سيخرج هذا الدكتاتور إلى شعبه ويخاطبه قائلاً: سنصنع التاريخ معاً. يداً بيد، سنقود البلاد نحو التقدّم والازدهار والنموّ. لكنّ ذلك يتطلّب خطوات موجعة، سنتحمّلها معاً، سنتغلّب على الصعاب معاً، لذلك علينا أن نقوم بكذا وكذا. هنا لا حاجة لاستخدام القبضة العسكريّة. هنا يهتف الشعب بروح الدكتاتور، ويمضي نحو تحقيق مسيرة التقدّم.
رغم كلّ الكلام السلبي بحق الطائفية في لبنان، ينبغي الاعتراف بأنّ الطائفية ـــــ لا حبّ الحياة لدى الشعب اللبناني ـــــ أدّت دوراً كبيراً في حماية هذه البلاد من الدكتاتوريّات. فأضخم زعيم سيسقط بالضربة الطائفية القاضية حين يظنّ أنّ بإمكانه أن يحكم البلد منفرداً.
لكنّ الطائفيّة، تماماً كالدكتاتوريّة، تنجح أكثر ما تنجح حين تمارَس بالتورية، حين لا يخرج الزعيم الطائفي ويخاطب شعبه قائلاً: يا أيها القوم الطائفيون، هبّوا لنصرة طائفتكم. الطائفيّة الناجحة هي التي تدعو إلى السلوك الطائفي بصفته سلوكاً وطنياً. كثيرون يجيدون ذلك في لبنان، وتتيح لهم مهاراتهم في هذا المجال الحطّ من قدر الصادقين في المجاهرة بطائفيّتهم. هكذا يُرجَم محمد علي الجوزو أو نعمة اللّه أبي نصر مثلاً، ويُمتدَح في الوقت نفسه فؤاد السنيورة الذي ينكر طائفيّته مراراً، ثمّ ينطلق للهجوم على الطوائف الأخرى بصفة المجهول، لكونها مارست الاضطهاد بحق أبناء طائفته التي ليست طائفة، فقد «شُنَّت عليـ(نا) حملات وحروب، تناول بعضها لبنان كله، وخُصِّصْـ(نا) وخُصَّت جماعتـ(نا) ببعضها الآخر»، قبل أن يعود إلى تهنئة نفسه وطائفته لكونها أفضل طائفة لأنّها ليست طائفة: «لقد أرادوكم أن تصبحوا طائفة... أنتم لستم طائفة ولن تكونوا، بل أنتم لُحمة هذا الوطن، ونصير الدولة».
يصرخ الدكتاتور: أنتم لستم رعايا. أنتم عجلة التاريخ.