خالد صاغيةكشفت إحدى القنوات التلفزيونية الأوروبية أخيراً، أنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، قبل زيارته لأحد المصانع، أوعز باختيار دقيق للعمّال الذين سيلتقي بهم أثناء الجولة. معايير الاختيار التي اهتمّ ساركوزي بها لا تمتّ إلى الميول السياسيّة أو المسؤوليّات داخل المصنع بصلة، بل تركّز على جانب واحد: قصر القامة. فالرئيس الفرنسي لا يحبّذ أن يكون في مكان واحد مع من هم أطول منه قامةً. وقد علّق أحدهم على هذه الحادثة ومثيلاتها قائلاً: بعد وقت قليل، قد يصبح على الجميع دخول قصر الإليزيه على رُكَبهم.
هذه الرواية التي تبدو للوهلة الأولى شديدة الخصوصيّة، ليست كذلك بالمرّة. فهي تساعد كثيراً على فهم ما يجري حولنا، هنا في لبنان بالذات. فكثير من رجال السلطة لا يعانون من عقدة قصر القامة، بل من عقدة قصور العقل. صحيح أنّ شروط الزعامة تغيّرت في هذا العصر، وأنّه بات بالإمكان التغلّب على الظروف التي قد تأتي بقليل المعرفة وقليل الكاريزما إلى السلطة، عبر مجموعة من المستشارين ومراكز الضغط، إلا أنّ الصحيح أيضاً أنّ ثمّة من يصرّ على عدم إحاطة نفسه بمن هم «أطول قامةً منه».
فالرائج الآن أن يحيط الزعيم نفسه بمن هم أكثر غباءً وأقلّ معرفةً، أو على الأقلّ، بمن يستعدّون لإسماعه ما يريد سماعه. فالزعيم ليس بحاجة إلى من يسدي له النصح، بل لمن يهزّ له رأسه موافقاً، أو لمن يساعده على تنفيذ قراراته بصورة أفضل، من دون مناقشة هذه القرارات.
ليست الأزمة الحكوميّة بعيدة عن ذلك. فالمواقف النزقة والقليلة الحيلة آخذة بالتفاقم. ووراء زعماء لا يحسنون تلاوة بياناتهم، نجد مستشارين تنضح وجوههم بالهَبَل الخالص، وجلّ ما يقومون به التشجيع على مزيد من التعنّت وازدراء الآخر.
وأمام الأفق المسدود، يجري التذرّع بالضغوط الخارجيّة والواقع الطائفي. لكنّ هذين كانا حاضرين دائماً منذ نشوء هذا الوطن. الجديد في الأمر أنّ الارتهان للضغوط والنشوة بالتجييش الطائفي باتا غير مسبوقين. ثمّة خطوط حمر لطالما حظيت بالاحترام، لأنّ اللعب بالنار ـــــ على ما يكتشف الأطفال ـــــ يحرق الأصابع. وحدهم الغلمان المتذاكون يظنّون أنّ بإمكانهم إشعال الفتيل ثمّ إخماده ساعة يشاؤون، وهم ينظرون إلى الآخرين كمن يبحث عن عبارة مديح: «دخيل هالطول يا ماما!».