حتى اذا افترضنا أن الانخفاض الحاد في أسعار النفط تقف خلفه ارادة سياسية، فإنّ ذلك هو بمعنى أن حلفاء اميركا من كبار المنتجين قد «سمحوا» بحصول الانهيار وسهّلوا تفاقمه، فلا أحد يقدر على التحكم الكامل بسوق النفط والتلاعب بها على هواه، وقد ولّى الزمن الذي كان فيه جلّ استهلاك النفط وتجارته العالمية متركزين في يد مجموعة صغيرة من الدول الغربية.ولكن تغيّرات كبرى ومزمنة في قطاع النفط ترافقها، دائماً، «آثار جانبية» لا يمكن التحكم بها، ونتائج غير متوقعة تمتد لسنوات في المستقبل، وتطال مجالات مختلفة خارج الاقتصاد، وتؤثر بعمقٍ على دول غير تلك المنتجة للنفط ــــ مصر وسوريا وباقي الدول المصدرة للعمالة في المنطقة كمثال.

قال خبير نفطي تعليقاً على انهيار الأسعار إنّ هناك شيئاً واحداً مؤكداً، بحسب تجربة العقود الأخيرة، في هكذا حالات: كلّ انكسار حاد في سوق النفط يقابله، بعد شهور أو سنوات، صعود كبير في السعر. هذا له أسباب منطقية، فنزول كلفة الطاقة يحفّز الاستهلاك ويرفع مقداره، بينما يتوقف الاستثمار في مشاريع الانتاج الجديدة – فلا أحد سيموّل مشاريع غير اقتصادية. هكذا، حين يتجاوز الطلب العرض من جديد، تحصل «طفرة» في الأسعار (فهناك فجوة زمنية معتبرة بين اطلاق مشاريع استخراج جديدة، حين تحتاجها السوق، وبين بدء النفط بالتدفق، وهي تصل في بعض الحقول الكبيرة الى سبع سنوات).
بهذا المنطق، قد تتمكن السعودية والامارات من كسر سعر النفط، ولكنها لا تقدر على ابقائه منخفضاً الى الأبد، وكلما زادت فترة الركود كان ردّ الفعل المعاكس أقوى، فيرتفع السعر الى مستويات غير مسبوقة. ما يواجه دولاً كروسيا، اذاً، ليس تغيّراً بنيوياً وأبدياً في سوق النفط، بل «اختبار» قد يطول سنة أو سنتين، ولكن يليه ارتفاعٌ جديد في العائدات النفطية ــــ ولهكذا مراحل، تحديداً، تجمع هذه الحكومات احتياطات مالية وفوائض نقدية كبيرة.
ادارة الدول النفطية لهذه الأزمة وتعاملها مع تحدياتها هو الذي سيفصل بين الرابحين والخاسرين؛ ومن هذا المنطلق، فإن أكبر المتضررين من سياسة السعودية والامارات في رفع الانتاج وضرب الأسعار قد لا تكون روسيا أو ايران، بل العراق أساساً، وهو أقل الدول المنتجة استعداداَ للأزمة وأكثرها اعتماداَ على المورد النفطي (وليس لحكامه القدرة السياسية على الإصلاح والامساك بزمام النفقات).
العبرة اذاً في الخواتيم، وروسيا قد تؤذيها العقوبات والحرب التجارية الغربية عليها أكثر من انخفاض سعر النفط في حد ذاته. ولكن الأمر الوحيد الواضح اليوم هو هوية المستفيد الأكبر من تدهور ثمن النفط وانخفاض كلفة الطاقة، والتي سئل عنها الأكاديمي والمحلل ايان بريمر مؤخراً في مقابلة، فأجاب من دون تردد: «انه الرئيس الصيني شي جين بينغ».