من أهم المفاعيل الجانبية لسياسات اميركا حول العالم هو انها قد تساهم في تقريب خصومها من بعضهم، وتحفزّهم على بناء علاقات أوثق وتحالفات، بعد فترة أكثر من عقدين، تلت نهاية الحرب الباردة، حاولت فيها جميع القوى خارج المحور الاميركي (الصين، الهند، روسيا، ايران، وحتى كوريا الشمالية) تجنّب المنافسة مع القوة العظمى، وبناء تعايش وشراكة – ولو على حساب بعضهم البعض.
في هذا الاطار نفهم تقاطع تقارير من وكالات انباء رسمية، روسية وايرانية، تعلن أن روسيا ستسلّم طهران أنظمة دفاع جوي متقدمة وتطلق تعاوناً عسكرياَ مكثفاَ معها، بعد التوقيع على اتفاق عسكري بين وزيري الدفاع في طهران الثلثاء الماضي.
مواقع وصحف اسرائيلية وصّفت الاتّفاق بـ «الحلف العسكري»، وتدّعي مصادر انّه قد تمّ في طهران توقيع عقود موازية لتسليم ايران بطاريات «اس-300» وطائرات مقاتلة روسية حديثة (سوخوي-30)، اضافة الى تحديث مقاتلات «ميغ-29» و»سوخوي-24» ايرانية، وبيع قطع غيار ومحركات. ولكن الأمر الوحيد الأكيد هو أنّ «أزمة الاس-300» قد حلّت، بحسب رسميي البلدين؛ وقد نقلت وكالة «نوفوستي» عن جنرالٍ روسي قوله إنّ التعاون سيطال «على الأقلّ، أنظمة دفاعية كالاس-300 واس-400 التي سنسلّمها على الأرجح».
الكلام على «اس-400» ليس بعيداً تماماً عن الواقع، وايران وروسيا قد تضطران في كل الأحوال الى اعادة التفاوض حول صفقة «اس-300» المجمّدة، والتي صار الوفاء بها بحسب مواصفاتها التقنية الأصلية صعباً. انتاج «اس-300 بي ام يو» الذي تعاقدت ايران على شرائه قد توقّف على الأرجح، وتسخّر الشركة المصنّعة، «آلماز-انتاي»، اليوم، كلّ خطوطها لبناء أنظمة «اس-400» للجيش الروسي ونظام «انتاي-2500» – وهو شبيه بـ «اس-300»، ولكنه أكثر حركية منه ومصمم كـ «دفاع تكتيكي» يرافق وحدات الجيش في مسيرها؛ مداه 200 كيلومتر وقد تعرضه موسكو على طهران كبديلٍ عن العقد الأصلي.
هذا التعاون، ان حصل، هو شاهد على قدرة التهديد المشترك على التقريب وطمر الخلافات؛ فايران وروسيا ليستا، تاريخياً، حليفين طبيعيين؛ وروسيا هي من حجّم الامبراطورية الايرانية وتوسّع على حسابها وقضم حدودها في اذربيجان وارمينيا وآسيا الوسطى.
الى اليوم، هناك تيار قوي في طهران لا يثق بالروس ويخشى الاعتماد عليهم. وأنصاره لا يحتاجون للعودة الى التاريخ، بل يكفي التذكير بالماضي القريب: سمحت موسكو بفرض عقوبات مجلس الأمن على ايران، ثمّ جمّدت مباشرة صفقة «اس-300»، في أدقّ مراحل المواجهة بين طهران والغرب. كما رفضت روسيا صيانة الغواصات الايرانية، وحرصت على أن يأخذ بناء وتجهيز وتشغيل مفاعل «بوشهر» (وهو بسيط بالمعنى التقني) زمناً يكفي لبناء هرمٍ فرعوني.
هذه المقايضات التي كانت تعقدها روسيا مع الغرب توقفت حين صارت روسيا نفسها هدفاً لـ «الاحتواء» والعقوبات، والدول الغربية ترفض تنفيذ صفقات السلاح معها؛ فصارت موسكو، حين يستهدف الغرب نظاماً ينوي تغييره – من سوريا الى ايران – لا تفكّر بكيفية الاستفادة من الوضع، بل تتراءى لها أمثولة «الثّور الأبيض».