علي شهابوتستهل هارت، المحاضرة في الكلية الحربية ــ البحرية الأميركية، الدراسة بمناقشة الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة فتشير الى أن «أيّ ضربة تكتيكية مركزة ضدّ المنشآت الإيرانية ستعدّ بمثابة إجراء وقائي من جانب الولايات المتحدة الأميركية»، مضيفة إنّ المؤيدين لمثل هذه الضربة يستشهدون بالهجوم الإسرائيلي الجوي على المنشآت النووية العراقية عام 1981، ويرون أنه النموذج الأمثل لاتخاذ إجراء مماثل للتعامل مع إيران. ولكن من الناحية الفنية، لا يتماثل السياق الإيراني مع الظروف التي كانت سائدة أيام ضرب المفاعل العراقي. إن البرنامج النووي الإيراني موزّع العناصر وبعض أجزائه مخبّأة تحت الأرض. وكي تكون الضربة فعّالة، يتطلب الأمر الحصول على معلومات استخبارية دقيقة تحقق هدف ضرب عدة مواقع ونتائج سريعة، وهو أمر يصعب الحصول عليه حالياً».
وتتابع الدراسة أنه «حتى إذا ما تمكنت الولايات المتحدة من إيجاد طريقة ناجحة للهجوم على إيران، فما زال الخيار العسكري هو الأسوأ، ومنافع هذا التوجه ستكون قصيرة الأجل».
أما في ما يخص خيار الضربات النووية المركزة، فهي «خارج كل اعتبار، ذلك أن الصين تحديداً ستعارض خطوة كهذه بشدة، وهي قادرة على الحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي. كما من المحتمل أن تؤدي خطوة كهذه إلى سقوط الحكومتين العراقية والأفغانية، وبالتالي انقطاع العوامل الوثيقة الصلة بالولايات المتحدة في هذين البلدين».
اقتراح آخر يتمّ تداوله في الدوائر الضيقة ألا وهو «تهيئة وكالة سرية للقيام بوسيلة عمل تخريبية وتعطيل البرنامج النووي الإيراني، غير أن هناك ظروفاً تحول دون نجاح فكرة كهذه؛ منها أن البرنامج النووي الإيراني يتطور محلياً ولا يتوافر للأجانب إمكانية الدخول إليه».

الصبر وعدم التدخل

تدخل جوان هارت في هذه الفقرة في صلب مقاربتها ــ النظرية بالقول إنّ «هناك مؤشرات لتطورات داخلية في إيران تتطلب من واشنطن عدم التدخل والتطفل. إذا تمكّنت الولايات المتحدة من أن تتحلى بالصبر، فإن أغلب الظن أن القوة الديناميكية المحركة في إيران ستأخذ على عاتقها في نهاية المطاف مسألة معالجة البرنامج النووي».
وفي السياق نفسه، فإنّ عدم التدخل الأميركي يفرض «تجنب إصدار البيانات والمواقف التي قد تساعد على توفير تبرير لإيران لاتخاذ مواقف متشددة. وكذلك يجب على الولايات المتحدة عدم القيام بأي عمل من شأنه إضعاف الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي والجهات الأخرى التي تتفاوض مع إيران».
وعلى الرغم من سيطرة المحافظين على السلطة في إيران، فإنّ «الانقسامات الحادة بين القادة الإيرانيين» ستؤدي، بحسب النظرية، إلى «التغييرات السياسية المطلوبة. كما أن معظم الإيرانيين بعيدون عن الانشغال في التنافس مع المصالح الأميركية، ما دامت واشنطن لا تستفزهم. أحد أوجه هذا الاستفزاز كان تسمية إيران ضمن محور الشر. إن استراتيجية الصبر وعدم التدخل في الشأن الإيراني هما الخيار الأفضل من الناحية النموذجية، ولا سيما إذا بدا التهديد النووي واضحاً. كما أنّ رسم السياسة بالاعتماد على الفرضيات والتقديرات لا يخدم المصلحة الاسرائيلية، وخاصة أن الالتزام بأمن إسرائيل هو خيار استراتيجي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لذا فإنه من مصلحة اسرائيل أيضاً أن تعمل على تشجيع نمو التغييرات الإصلاحية داخل إيران».
في موازاة الصبر، «بإمكان واشنطن أن تغيّر في سلوكها إزاء العلاقات التجارية مع إيران. وهنا يطرح سؤال نفسه: ما هي فعلاً المنفعة من العقوبات الدولية مقارنة بمنفعة رفع هذه العقوبات»؟.
إن «الرعد العاصف نحو طهران»، في إشارة إلى الانفتاح التجاري الدولي حيالها، «سيؤمّن وظائف واستثمارات؛ وهو بالضبط ما تحتاج إليه إدارة محمود أحمدي نجاد التي تعاني ركوداً اقتصادياً. كذلك، فإن أحد القطاعات الرئيسية التي تحتاج إلى هذه الاستثمارات هو قطاع النفط، وبحكم ازدياد الطلب الأميركي على النفط، فإن تحسين إنتاج النفط الإيراني سيصب في النهاية في المصلحة الأميركية».
وتتابع هارت أنه «عندما يتعلق الأمر بإيران، تستمر الولايات المتحدة في التعامل معها على أساس أحداث قديمة دمغت العلاقات بين البلدين، غير أن إجراء مقارنة بفيتنام مثلاً يطرح المزيد من الأسئلة. لقد وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية تجارية مع فيتنام واستأنفت العلاقات معها بعد أقل من 25 عاماً من نهاية الحرب التي خلّفت أكثر من 55 ألف قتيل، فكيف يمكن أن تتعافى الولايات المتحدة بهذه السرعة من مثل هذه الخسارة الفادحة مع فيتنام ولا تفعل ذلك مع إيران»؟.
وتروّج هارت لفكرتها بالقول إنّ «احترام حقوق إيران بموازاة الانتقال إلى مصالح مشتركة سيكون أكثر نفعاً للطرفين؛ فعلى سبيل المثال تتشارك الولايات المتحدة وإيران الاهتمامات الأمنية والنفطية، كما أن التقرب من إيران سيعود بالنفع على جميع الحلفاء في المنطقة لجهة تأمين خطوط إمدادات النفط والتجارة في الخليج. إن تنمية العلاقات التجارية مع إيران سيكون الوسيلة الأفضل والأسرع والأكثر فعّالية لتعديل الحركة الديناميكية داخل إيران».
أما فكرة التدمير العسكري للمنشآت النووية الإيرانية فـ«ستثير على المدى القصير تصميم طهران على الوقوف في وجه المجتمع الدولي والرد الانتقامي من الولايات المتحدة».
وتتنقل هارت إلى النموذج الباكستاني لتدعم نظريتها إذ إنّ «تعايشنا بسلام مع باكستان يعني أن بإمكاننا إقامة علاقة ثابتة ومستقرة مع جمهورية إيران الإسلامية»، قبل أن تختم الدراسة بالإشارة إلى أنه «قبل ثلاثين عاماً، وصف المفكر الاستراتيجي في جامعة برنستون كلاوس كنور النزاع الأميركي ــ الإيراني بالقول إن الإنسان، على ما يبدو، لا يميل فقط ليكون أسير مفاهيمه، بل إن مفاهيمه أيضاً تكون خاضعة لتصوراته. نتساءل هل نحن رهائن مفاهيمنا الخاطئة تجاه إيران؟».
* صحافي لبناني