وسيم وهبة *ثمّة من يتساءل عن سبب عدم إقرار مجلس النوّاب قانون الانتخابات النيابية الذي اتفق عليه في الدوحة. والواقع أنّ إقرار هذا القانون في المجلس النيابي لا يمكن أن ينتج مفاعيله القانونية، في ظلّ حكومة غير معترف بدستوريتها من المعارضة، أو تصرّف الأعمال بعد أن طلب إليها ذلك رئيس الجمهورية. وعلى فرض الاعتراف بأنّ الحكومة الحالية تصرّف الأعمال، فهل يمكن للمجلس النيابي أن يسنّ القوانين ويصدرها رئيس الجمهورية؟
أوّلاً: تنصّ المادة 54 من الدستور على أنّ مقرّرات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون، ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة.
أمّا مرسوم إصدار القوانين، فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة. وبالتالي فإنّ مرسوم إصدار القانون يجب أن يُوقّع من رئيس الجمهورية ومن رئيس الحكومة.
وتنصّ المادّة 33 من الدستور على أن لرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدّد افتتاحها واختتامها وبرنامجها، وعلى رئيس الجمهورية، دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه.
في المقابل، تنصّ المادة 64 (فقرة 3) من الدستور على أنه عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، يصبح مجلس النوّاب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتّى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة. ولمّا كان انعقاد المجلس النيابي في مرحلة ما بعد استقالة الحكومة أمراً ضرورياً وإلزامياً لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة، فإن انعقاده بهذه الصورة الحكمية هو لتجنب صدور مرسوم فتح دورة استثنائية في ما لو حصلت الاستقالة خارج دورة عادية للمجلس النيابي. إذ إنّ فتح الدورة الاستثنائية بحاجة إلى مرسوم يوقّع عليه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وبالتالي فقد جاء النص لتلافي توقيع المرسوم من رئيس الحكومة المستقيلة أو من رئيس حكومة لم تنل حكومته الثقة. وبالتالي يمكن أن نستنتج أنه لا يمكن لرئيس الوزراء، واستطراداً الوزراء، التوقيع على المراسيم إذا كانت الحكومة تصرف الأعمال، لأنه ما دام رئيس الحكومة المستقيل لا يمكنه أن يوقع مع رئيس الجمهورية على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية للمجلس النيابي، فمن باب أولى أنه لا يمكنه أن يوقع على مرسوم إصدار قانون ما.
من هنا، ومع تسليمنا بأحقية مجلس النواب مناقشة قانون الانتخاب وإقراره، الا أنّ المشكلة تكمن في إصداره. وحسب نصّ المادة 54 من الدستور، فإنّ مقرّرات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة.
أما مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة. وبالتالي فإنّ إصدار قانون الانتخاب يستوجب توقيع رئيس الحكومة الذي يصرّف الأعمال وهو غير ممكن. والسبب أنّه عندما يكون مجلس النواب في حال انعقاد استثنائية، فلأن هناك استحالة لمشاركة رئيس الحكومة رئيس الجمهورية التوقيع على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، لأنّ الحكومة أيضاً تكون في هذه الحالة حكومة تصريف أعمال، وبالتالي فإنّ رئيس الحكومة لا يمكنه أن يوقع مع رئيس الجمهورية مراسيم إصدار القوانين عندما تكون الحكومة مستقيلة.
ثانياً: قبل التعديل الدستوري في سنة 1990، لم يكن في الدستور اللبناني أيّ مادة تشير إلى أن الحكومة المستقيلة تصرّف الأعمال، وكان الفقه يرى أنه من الضرورات المستحكمة في حياة الدولة، وتطبيقاً لمبدأ استمرار الإدارة أن تبقى الوزارة المستقيلة مولجة، وذلك بتكليف من رئيس الجمهورية، وبموجب كتاب يوجهه إليها، إثر قبول استقالتها، بتصريف الأعمال العادية لحين تأليف الوزارة الجديدة (إدمون رباط، الوسيط في القانون الدستوري اللبناني، ص 798).
أمّا الاجتهاد وعبر مجلس شورى الدولة، فقد رأى أنه تجنباً للأخطار والمحاذير التي تنشأ عن الفراغ في الحكم، جرى العرف الدستوري على أن يكلف رئيس الجمهورية الوزارة المستقيلة بالبقاء في الحكم إلى أن تتألف الوزارة الجديدة ويحدد نطاق أعمالها بما يسمى بتصريف الأعمال العادية، حيث يجب التفريق في تحديد نطاق الأعمال العادية بين الأعمال الإدارية والأعمال التصرفية، بين العادي منها والاستثنائي (مجلس شورى الدولة، الغرفة الثالثة، قرار رقم 614 تاريخ 17/12/1969، راشد / الدولة اللبنانية، مجلة العدل 1969، ص 476).
أمّا بعد التعديل الدستوري سنة 1990، فقد عُدّلت المادة 64 التي أصبحت تنصّ علن أنّ الحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال.
وقد جاءت هذه المادة كرد فعل على ممارسة حكومات ما قبل الطائف لكل صلاحياتها الدستورية، لكونها مستقيلة، كاقتراح مشاريع القوانين والتعيينات الإدارية...
بناءً على ما تقدّم، يمكن اعتبار أنّ المعنى الضيق لتصريف الأعمال يحصرها بتسيير الأعمال اليومية التي تحافظ على سير المرافق العامة في الدولة، والتي يعود إلى الأجهزة الإدارية إتمامها، وليس بالأعمال التي ترمي إلى إحداث أعباء سياسية ومالية جديدة، لأن من شأن تلك الأعمال إلزام مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب. إذاً، لا يمكن أن يكون التوقيع على إصدار القوانين ضمن فئة الأعمال التي نصت عليها المادة 64 من الدستور.
ثالثاً: على فرض أن المعنى الضيق لتصريف الأعمال الذي تقوم به الحكومة المعتبرة مستقيلة وفقاً للمادة 64 من الدستور، يجيز لرئيس مجلس الوزراء المستقيل توقيع مثل هذا القانون تأميناً لسير العمل الاشتراعي وعدم تعطيله، إلا أن حق رئيس مجلس الوزراء المستقيل بالطعن بالقانون الذي يشارك بتوقيعه رئيس الجمهورية في مرسوم إصداره لا يدخل في المفهوم الضيق لتصريق الأعمال. وهذا ما أكد عليه المجلس الدستوري في قراره رقم 1/2005، إذ رأى أن الطعن بالقانون أمامه هو عمل إنشائي بامتياز وغير إجرائي طالما أن من شأنه أن يؤدي إلى إبطال هذا النص التشريعي وإحداث وضع قانوني مغاير بنتيجة هذا الإبطال.
وخلص المجلس الدستوري إلى أنّ حرمان رئيس الوزراء المستقيل من حقه الدستوري بالطعن بنص تشريعي من شأنه أن يفتح كوة في النص التشريعي المذكور، يتسلل منها إليه عيب عدم الدستورية. إذ يصبح هذا النص التشريعي ـــ بحسب المجلس ـــ بمنأى عن كل مراجعة لإبطاله جزئياً أو كلياً بقرار من رئيس مجلس الوزراء يتخذه بالاستناد إلى الحق المحفوظ له في المادة 19 من الدستور.
وبالتالي فإنّ هذا القانون، إذا ما صدر، فإنّه سيكون مخالفاً لنصّ المادة 19 من الدستور. ونظراً لتعطّل المجلس الدستوري، فإنّه من الصعب الطعن بهذا القانون، ما سيؤدي إلى العمل من جديد بقوانين مخالفة للدستور.
وخلاصة الأمر، أنّه يجب انتظار تأليف الحكومة الجديدة ونيلها الثقة لكي يتمكن رئيس الوزراء من التوقيع على المراسيم التي يصدرها رئيس الجمهورية، ومنها إصدار قانون الانتخابات.
* باحث حقوقي