نظريّة من فكر سعادة تمزج التكنولوجيا الماديّة بالروحيّة
عامر ملاعب
يتناول الكتاب ــ البحث «النظرة إلى الحياة» من جوانبها الأساسية أو ما عمل الفكر البشري على استنباطه من أجل تشريف الحياة على الأرض وكشف كُنه وحقيقة الوجود ومصير الإنسان. ويؤكد الكاتب حيدر حاج إسماعيل في مقدّمته للكتاب المؤلف من 270 صفحة من القطع الوسط أنه «بالرغم من أن العالم واحد فإن النظرات إليه متعددة ومتباينة وهذا معناه أننا لا نعرف العالم في ذاته». ويلتقي هذا القول مع فكرة الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الذي رأى أننا «لا نعرف الأشياء في ذاتها»، لكنه يختلف عن نظرية كانط في المعرفة لأنها عند كانط «ذات نظام وهو النظام الذي تفرضه مقولات العقل (مثل السببية) ومبدأ المكان والزمان على المعطيات الحسية العشوائية».
أمّا عند إسماعيل، فإنها هنا تختلف اختلافا جذرياً، إذ «يزعم» أن المعرفة بأنواعها الأسطورية والدينية والعلمية والفلسفية هي معرفة عشوائية أو فوضوية.
في هذه العجالة المختصرة، لا يمكن مناقشة أحقية أو صوابية ما ذهب إليه الكاتب في توكيد وتصحيح أفكاره أو مخالفتها، ولكنه ينطلق بخلفية فكرية واضحة على قاعدة فكر مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي انطون سعادة. وهنا يحاول أن يبرهن على أفكار الإنسان وتتابعها عبر الأجيال لأنها تهدف إلى تفسير واقع الحياة وظواهرها، بأنها ترتكز على الأفكار والمبادئ والقيم التي أخرجتها بلاد سوريا الطبيعية بالدرجة الاولى، وأنّ هذا يبدو من خلال مقارنته مثلاً بين الأساطير المعروفة في بلاد ما بين النهرين، وأساطير التوراة ليؤكد ليس فقط تشابهها، بل تطابقها. وهنا يبقى الفضل للأقدم أي أن ما ورد في التوراة هو مستنسخ عن الأساطير القديمة، وأنّ سفر التكوين اليهودي مطابق تماماً بالتسلسل والأفكار لسفر التكوين البابلي. وهو يتّخذ من أفكار «الزعيم» انطون سعادة منطلقاً من كتابه «الإسلام في رسالتيه» وكيف يمكن أن نبني مجتمعاً خارج الأطر التقليدية السابقة، على اعتبار أن «الدين فكرة عالمية خارج الأطر القومية والإقليمية باستثناء اليهودية» التي ترى في اليهود «شعب الله المختار».
وهنا يدخل الكاتب في نقاش جدي بشأن كل دين من الديانات السماوية وغير السماوية في تحليل علمي لنظرتها إلى الحياة الدنيوية والآخرة، بحيث يسعى إلى تثبيت نظرية أنها «غير عامّة للبشرية» وكيف تطورت هذه الأفكار من رؤية القضايا القديمة ــ الجديدة إلى مرحلة ما يسمى بـ«العولمة» التي حوّلت لا بل حرّفت الأفكار البشرية عن سيرها السابق.
«أسطورة» الدين والعلم حازت الفصل الثاني من الكتاب واتخذت عنواناً «التكنولوجيا المادية والتكنولوجيا الروحية في عصر العولمة» وكيف غيّرت حوادث 11 أيلول 2001 من مفهوم العولمة وحوّلت «التاءات الثلاث» (تنقّل، تحوّل، تجاوز) عن غير مسارها المعروف ويمكن القول إنّها مرحلة جديدة قد بدأت وتحمل أكثر فأكثر سمات المجتمع والفكر الأميركي المتّسم بالبراغماتية المفرطة التي أضحت مدرسة قائمة بحد ذاتها.
وهنا تتصادم «التكنولوجيا المادية» مع «التكنولوجيا الروحية» وكانت قمة التصادم الصارخة عندما ارتطمت تلك الطائرات (التكنولوجيا المادية) المخطوفة من جانب شبّان (التكنولوجيا الروحية) حوّلهم فهمهم لدينهم إلى سلاح مدمّر، وهنا أيضاً تتحوّل المفاهيم وتتغيّر بتغيّر الوقائع حين تبدّلت طرائق عيش الإنسان ما أثّر على طريقة تفكيره وفهمه للحياة.


العنوان الأصلي
النظرة إلى الحياة
(في الأسطورة والدين والعلم والفلسفة)

الكاتب
حيدر حاج إسماعيل

الناشر
دار فكر للأبحاث والنشر