هكذا مثّل «الطائف» أكبر إنجاز للطبقة الحاكمة
نبيل المقدم
يعالج «أمرء الحرب وتجّار الهيكل» تاريخ السلطة والمال في لبنان منذ بداية القرن العشرين وحتى العقد الأوّل من القرن الحالي من الموقعين السياسي والاقتصادي، ويسلّط الضوء على خفايا الواقع المحلّي الذي يمثّل عادةً لغزاً للأجانب، كما يقدّم الكتاب دراسة دقيقة وحيّة يشرح فيها أسباب مقاومة البنى المحلية في لبنان والبلدان الصغيرة المشابهة للعولمة الجارفة.
كذلك يتصدّى لمواضيع عطّلت دور لبنان الإقليمي اقتصادياً وثقافياً منذ عام 1975: الطائفية والزعامات التقليدية وأساليب رجال الأعمال البالية والبنية الاقتصادية الهشّة والشعور العميق لدى الجماعات المكوّنة للبنان بالإساءة التاريخية إليها. ويحمّل كمال ديب تحالف فئة الإقطاعيّين (أمراء الحرب) والتجّار الكبار مسؤوليّة الحؤول دون تحوّل لبنان إلى دولة بكل معنى الكلمة سواء في مجال السيادة أو العدالة أو تحقيق المواطنيّة لكلّ أبنائه بغضّ النظر عن الانتماءات المذهبية والطائفية. كما يعطينا في هذا الكتاب، لمحة شاملة عن تاريخ لبنان الحديث ومصائبه بأهم مفاصلها، عائداً به إلى العهد العثماني، وخاصة منذ دخول جبل لبنان عهد الفتن الطائفية المؤجّجة بفعل تأثير الصراع بين الدول الأوروبية الكبرى لتفكيك السلطة العثمانية والهيمنة على أقاليمها.
يقول الكاتب إنّ من يراقب الوضع اللبناني منذ بداية القرن الواحد والعشرين، ومن منطلق عام 2006 تحديداً، يستنتج أنّ التبدّلات الاجتماعية التي حدثت والكوارث الأهلية التي جرت في الفترة الممتدة من عام 1958 حتى عام 2005 لم تؤدِّ إلى تغيير في النظام القبلي الطائفي المستمر منذ قرون... ومن المحتمل أن يكون الاحتقان الطائفي في بداية القرن الواحد والعشرين أكثر منه في سبعينيات القرن العشرين إذ أعاد اتفاق «الطائف» توزيع السلطة استناداً إلى شروط أمراء الحرب وحسب. اتفاق يرى الكاتب أنّه أكبر إنجاز حقّقه أمراء الحرب لأنه ضمن دورهم في مستقبل لبنان لأجيال قادمة مقابل تراجع أسهم الدولة العلمانية الليبرالية الديموقراطية.
ويرفض ديب اعتبار أنّ المعضلة اللبنانية فقط تتمظهر بمضاعفات إقليمية، مع أنّ هذه المقولة تحمل جزءاً من الحقيقة. غير أنّه لا يمكن نكران الانفجار الاجتماعي الذي طفا على سطح الأحداث، وكان من المسبّبات الرئيسية لحرب عام 1975. وهنا تظهر عند ديب صورة الوصف العقلاني للأحداث من زاوية اقتصادية وبيئية يؤدّي فيها أمراء الحرب والتجار الدور الأهم.
كمال ديب في هذا الكتاب، يظهر قدرة كبيرة على جمع المعلومات وتنسيقها بشكل أنيق وممتع ضمن إشكالية واضحة تهدف إلى البحث عن الأسباب الحقيقية للمشهد المأساوي الذي نعيشه. إنه يطلق من خلال هذا الكتاب صرخة شاملة بوجه هذا التحالف الجهنمي الذي عمل على تخريب لبنان وتدميره، كما أنه يكشف خيوطه المخفيّة على مدى صفحات هذا الكتاب. هو يدعو ولو بطريقة غير مباشرة إلى إجراء ثورة شاملة في نظامنا الاقتصادي والسياسي لبناء وطن حقيقي بدلاً من وطن المزرعة.
* كاتب لبناني


العنوان الأصلي
أمراء الحرب وتجّار الهيكل ــ
رجال السلطة والمال في لبنان

الكاتب
كمال ديب

الناشر
دار النهار