نقولا شدراويبعد الأحداث التي شهدتها السنواتُ الثلاث الماضية، أيقنَ فريقُ السلطةِ في لبنان وداعموه ومموّلوه الخارجيّون، بالنظر إلى موازين القوى على الساحة اللبنانية، أن معركتَه خاسرةٌ حتماً، ما لم يعمدْ، في وقت سريع، إلى خطةٍ محكَمة ومبرمَجة لتعديل الموازين لمصلحته.
ففي نظر المخطّطين والمنظّرين لفريق الموالاة، وأغلبُهم من الخارج، فإنَّ الصراع الفعلي بين القوى السياسية اللبنانية، سيدور حول المقاعد النيابية المسيحية في الانتخابات المقبلة، التي بدونها لا أملَ لهم بالحصول على الأغلبية في المجلس النيابي المقبل.
فالمناطقُ التي تنتخبُ النواب المسلمين، شبهُ محسومةٍ للأفرقاء المعروفين، وبيضةُ القبان في المجلس الجديد سوف تكونُ بيدِ من له الكتلة النيابية الأكبر من المقاعد المسيحية الأربعة والستين. وإذا نظرنا إلى واقع الرأي العام المسيحي في لبنان، فسنجد أن غالبيته الساحقة تكنُّ الودَّ والتأييد لأطراف تكتل التغيير والإصلاح وحلفائه في المعارضَة، رُغم كل المحاولات الجارية منذ ثلاث سنوات، والمستمرة إلى اليوم، لكسر هذا التأييد واجتذابه إلى أطراف الموالاة.
وقدِ استُخدمت في هذا السبيل مختلِف أساليب الترغيب والترهيب، من الإغراء بالمال والخدمات، إلى التخويف من الحرب ومن السلاح المقاوم، فباءت بالفشل جميع المحاولات، وإلا فما مانع الفريق الموالي في الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، حتى إنه لا يجرؤ على الدعوة إلى انتخابات فرعية في دائرة بعبدا ــ عاليه، بعد مرور أكثر من ستة أشهر على استشهاد النائب أنطوان غانم، مخافة افتضاح أمره شعبياً وانتخابياً.
بعد فشل الأساليب الآنفة الذكر، الناتج بشكل رئيسي من ضُعف الفريق المسيحي في الموالاة، وعجز قياداته المزمن عن إقناع الرأي العام بإمكان أن يكون بديلاً من القيادات المسيحية المعارضة، لم يبقَ أمام الفريق السلطوي وأوصيائه الجدد، سوى أسلوبٍ واحدٍ وحيد تفتّقت عنه قريحتهم الخبيثة، ألا وهو محاولةُ استحداث قيادة جديدة تستقطب الجمهورَ المسيحي، وتكون بديلاً مقنعاً للناس، فوُلدت فكرة ترشيح العماد ميشال سُليمان لرئاسة الجمهورية.
فمن ناحية، لا تستطيع المعارضة رفضَ هذا الترشيح، ومن ناحيةٍ أخرى، لم يكن النظام السوري ليحلمَ بترشيح كهذا لشخص مثل قائد الجيش، يمكنُ أن يكونَ متفهّماً أكثرَ من غيره لمصالح سورية الإقليمية في لبنان.
وفي الوقت عينه يكون فريق الموالاة قد تملص من مرشّحيه الكثر الذين لا يستطيعُ إيصالهم، أو لا يرغبُ بوصولهم، وتخلصَ أيضاً من مرشح المعارضة العماد ميشال عون، وزرع في طريقه وفي طريق تياره الواعد، قيادةً جديدة ذاتَ خلفية مماثلة في صفوف الجيش ومتقاعديه، قادرةٍ على الاستقطاب والقضم من القواعد الشعبية للتيار والتكتل والمعارضة ككل، نظراً إلى الطبيعة المحورية لموقع رئاسة الجمهورية.
من زاويةٍ أخرى، يعتقد الرأس المدبّر للفريق الموالي، أنه بمجرّد ترشيحه قائد الجيش للرئاسة، سوف يستميل الجيشَ سياسياً إلى صفوفه، وفي خلفية تفكيره أنه يمكن وضعُ هذا الجيش مستقبلاً وجهاً لوجه أمام المقاومة، فيسهل تمريرُ المشاريع الأكبر من توطينٍ وتجنيس وشراءٍ للأرض، واستكمال عملية النهب المنظم لمقدّرات الشعب والوطن.
وما التهويلُ بإحالة قائد الجيش نفسه على التقاعد في الحادي والعشرين من آب المقبل، سوى تكملةٍ لأسلوب الضغط السياسي المبرمج، لإجراء الانتخاب الرئاسي، قبل الاتفاق المسبق، أقله على قانون الانتخاب النيابي، الذي هو بيت القصيد.
إذ إنّ الموالاة، بأكثريتها النيابية المزيّفة شعبياً والمطعون فيها أمام المجلس الدستوري، سوف تأخذ قانون الانتخاب رهينةً بين يديها، إذا لم يتم التوافق عليه مُسبقاً.
لحسن الحظ إن قوى المعارضة تنبّهت لكل هذه الأمور، والأهم أن الجيش أيضاً، متيقظ وواعٍ لما سبق، وكذلك للمحاولات السياسية غير البريئة لتحريك الفعاليات البلدية والاختيارية في مناطق محددة، ما استدعى إصدار بيانٍ من مديرية التوجيه في قيادة الجيش وضعَ النقاطَ على الحروف.