محمد بنعزيز *فرّ تسعة سجناء محكومين في إطار ملف السلفية الجهادية المرتبط بالأحداث الإرهابية لعام 2003. جرى ذلك الفرار يوم الاثنين 7/4/2008، من السجن المدني بمدينة القنيطرة، أربعين كيلومتراً شمال الرباط. وقد انكشفت العملية صبيحة اليوم نفسه، بعد العثور على حفرة بعمق ثلاثة أمتار في حديقة بيت مدير السجن. وتقود تلك الحفرة إلى الزنازين عبر نفق يمتد 25 متراً بعمق 3 أمتار وعرض 65 متراً. بعد الفرار تمّ اكتشاف هواتف نقالة وأجهزة إلكترونية وأكياس تراب...
عشرة أيام بعد الحادثة، وبسبب غياب معطيات موضوعية، فتح باب الخيال لتوصيف ما جرى. يُقال إن الفارّين حفروا النفق بالملاعق، وهذا يتطلب قرناً، بينما لم يُنقل أحد الفارّين إلى هذا السجن إلا منذ أربعة أشهر. يُقال أيضاً إنّ المعتقلين تعلموا الحفر في أفغانستان. وأضاف رواة آخرون أنّ تسرّب الماء من المراحيض إلى تحت أرضية السجن جعلها رطبة فسهّل حفرها. ثمّ تساءل آخرون كيف عرف الفارّون خريطة السجن ليتجنّبوا الأساسات الاسمنتية ويحفروا في الاتجاه الصحيح نحو الحديقة... ثم أين هو التراب الذي استخرجته الملاعق؟
لا أجوبة حالياً، وحتى لو عُثر على الأجوبة فلن تغيّر ما جرى، لأنه لم يظهر أثر للفارين. يقال إنهم حلقوا لحاهم وارتدوا ثياباً جديدة، وقد تبرع شاهد عيان من الشرطة وقال إنه شاهد سيارة فيها شخص بلباس أفغاني قرب السجن يوم الفرار.
هذا الخيال الجامح ناتج من كون الفارّين بلا أمل في النجاة أحياء، فاثنان محكومان بالإعدام، أربعة بالمؤبد وثلاثة بعشرين سنة سجناً. أحد الفارّين سبق أن حاول الانتحار وفشل، والآن قد يقوم بانتحار فعّال ويأخذ معه أشخاصاً آخرين. لكن على فرض أن الفارين اعتقلوا وحوكموا من جديد، فماذا سيضيف القاضي؟
في هذه الأجواء تحاول السلطة استعادة المبادرة. تمت التضحية بالكبش الصغير أي مدير السجن. عملية الفرار سبّبت في التضييق على الذين لم يفرّوا. قوات الأمن تبحث في الغابات، أعوان السلطة متيقّظون في المدن والقرى، ويتزامن هذا مع حالة طوارئ غير معلنة في المغرب: نقاط مراقبة وتفتيش المنقّبات وجوّ مكهرب... ولتأكيد الحزم، ذكر بلاغ لوزارة العدل أنّ النيابة العامة وضعت يدها على ملف عمليّة الفرار، وهذا تعبير ضخم يقصد به أن النيابة العامة ستحقّق، أي ستضع يدها في أكياس التراب.
في هذه الأثناء، توقع الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية محمد ضريف أن يصل الفارون إلى الساحل الإفريقي ويظهروا في شريط مصوّر ويهددوا المغرب. كما يحتمل عبورهم إلى الجزائر للالتحاق بتنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي»، ومن الوارد قيامهم بعمليّات لأنّ أملهم بالنجاة ضعيف، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن معدل سنّ الفارين لا يزيد على الثلاثين، فلكم أن تتوقّعوا كم سيدوم ذلك التهديد.
طراوة وطرافة الوقائع السابقة تغطّي الأسئلة الحقيقية عن الفساد والإرهاب. لماذا يحصل هذا الفرار بشكل كبير ومتكرّر؟ فقبل أربعة أشهر، فرّ أحد أقطاب المخدّرات من السجن نفسه إلى إسبانيا مباشرة، وقد تحدّث عن شرائه لسجّانيه. وبعد ذلك أدخل أحد السلفيّين فتاة في حقيبة إلى زنزانته في سجن بالدار البيضاء، عاشر الفتاة مدّة إلى أن وشى به شريكه بسبب رفض اقتسام الغنيمة. المخدرات وحبوب الهلوسة تروّج في السجن مثل الخبز... أخيراً اعتُقل فرنسي يحمل أسلحة على الحدود الموريتانية أقصى جنوب المغرب، وتبيّن أنه دخل من مدينة سبتة المحتلة في أقصى الشمال، وقد قطع بتلك الأسلحة أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر. ما معنى هذا؟ الجواب في موقع «يو تيوب» حيث فيديو رجال الدرك المغاربة يأخذون إتاوات على السيارات التي تمرّ دون تفتيشها.
واقع أنّ الفساد يخرب الاقتصاد، مسلّم به. يحتلّ المغرب المرتبة 70 في درجة مكافحة الرشوة. وعلى ذكر الرقم، قال رجب طيب أردوغان إنّه وفّر لبلاده 70 مليار دولار في عامين بفضل محاربة الفساد. المغرب بعيد عن التجربة التركية، صحيح أنه صادق على معاهدة الأمم المتحدة لمحاربة الرشوة في عام 2003، لكنّ الواقع مخالف لما في الأوراق. لذا، فإنّ الفساد يخلّ بوظائف أجهزة الدولة، ويهدّد الأمن أيضاً، ويقوّي الفقر، ويعمّق الفوارق الطبقيّة ويشحن ردود الأفعال العنيفة.
على صعيد الإرهاب، ذكرت جريدة «الأحداث» في 14/4/2008 أنّ فرار السجناء المدانين في ملفات الإرهاب مؤشّر على أنّ تنظيم السلفية الجهادية ما زال قوياً. وطالب محمد ضريف بالتركيز على التنظيم الذي ساعد الفارّين، إذ لا يعقل أن ينفّذ الفارّون العملية دون دعم لوجستيي متكامل من الخارج، وقد كانوا واثقين من أنفسهم، حتى إنهم تركوا رسالة على جدار الزنزانة تقول «سلكنا كل السبل وطرقنا كل الأبواب دون جدوى، فلم يبق لنا سوى هذه الوسيلة... نتمنى ألا تكرّروا أخطاءكم السابقة وسياسة العقاب الجماعي وتحميل المسؤولية لمن يتحملها فقط. فلا أحد من الإخوة السلفيين الجهاديين يعلم بأمر هذا الفرار... ونعتذر لكم على الإزعاج».
وفي هذا إشارة إلى اعتقال أكثر من 2000 إسلامي بعد تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية، وما تلاها من تعذيب وأحكام عشوائية وقاسية، جعلت الملك محمد السادس يصدر عفوه على الكثير من المحكومين، إلى أن فجّر أحد المعفى عنهم نفسه فتوقّف مسلسل العفو.
لا مستقبل للفارّين إلا إن غادروا البلاد. وعبور الحدود أسهل من الفرار من السجن. وقد جرى الفرار من سجن يقع قرب قاعدة عسكرية. العملية محبوكة، لم تترك أثراً، لكنها تركت أسئلة بعمق النفق:
هل كان معاونو الفارّين يتصرّفون بدوافع مادية أم بدافع التعاطف مع السلفية الجهادية؟ ما مستقبل المغرب مع الفساد والإرهاب؟ كيف سيتمّ التعامل مع باقي المحكومين الذين لم يفرّوا، والذين ينهمكون في دراسة الفقه والحديث والرياضة، استعداداً ليوم يغادرون فيه السجن؟

* صحافي مغربي