قطع البث الفضائي من المواضيع الحيوية التي تشغل الرأي العام العالمي، وبصفة ملحّة، المهنيين في القطاع، في خضمّ ما يعرف بالفوضى الإعلامية الفضائية. في كانون الأول 2015، أعلنت شركة "عربسات" فسخ العقد مع قناتي الميادين والمنار، زاعمةً مخالفتهما نصوص العقد وروح ميثاق الشرف الإعلامي العربي. ولاحقاً أبلغت إدارة "نايل سات" وزارة الاتصالات بضرورة وقف بث المنار عبر قمرها بذريعة واهية مفادها بث لبرامج تثير النعرات الطائفية والفتن. كما أبلغت وزارة الاتصالات عن وقف البث من جورة البلوط بحجة انتهاء العقد الموقع مع الدولة اللبنانية.
وإمعاناً في قمع الحريات، أقرّ وزراء الإعلام العرب مؤخراً وثيقة تقيّد حرية تداول المعلومات وتفرض وجود رقيب على ما تبثه المحطات الفضائية. ومن ضمن القيود المطاطة التي فرضتها: مراعاة أسلوب الحوار وآدابه، حق المواطن في الحصول على المعلومة السليمة، التقيّد بجدول زمني في البث تضعه الجهة المختصة بالرقابة على محتويات البرامج، عدم تناول البرامج للرموز الوطنية والدينية أو القادة بالتجريح، واحترامها لخصوصية الأفراد وعدم انتهاكها بأي شكل من الأشكال لصورتها، وممارسة حرية التعبير بوعي ومسؤولية. وفرضت عقوبات شديدة لمخالفة هذه النصوص. ورغم أن الوثيقة تتحدث كنوع من التضليل عن المواد الإباحية أو شبه الإباحية التي تبثها بعض القنوات الفضائية، إلا أن التقييد يستهدف حقيقةً القنوات التي تطرح برامج جادة وتنقل وجهات نظر وآراء الآخرين. ولهذا، وصفت منظمة "هيومن رايتس وتش" الميثاق بأنه "عدوان فظ على حرية التعبير".
هذا القرار محاولة لوقف نمو كرة ثلج الحريات في العالم العربي، وفرض مُدان لسيطرة الفضائيات الرسمية على إعلامنا العربي. لذلك، المطلوب التراجع عن البنود التي تقيد الحريات العامة وتلك التي تتيح لكل دولة الحق في فرض ما تراه مناسباً من قوانين ولوائح لتحقيق مبدأ السيادة الوطنية على أراضيها. فيما المطلوب من الحكومة اللبنانية التصدي لهذه الهجمة الشرسة على الإعلام العربي، وخصوصاً المنار، ورفض كافة بنود هذه الوثيقة. أما مؤسسات حقوق الإنسان العربية والمجتمع المدني فمدعوة الى التحرك للضغط على الحكومات العربية للتراجع عن الوثيقة.
حرية الرأي والتعبير من خلال البث الفضائي مكفولة بنص المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. والمبررات التي تسوقها نايل سات وعربسات المراد منها سلب حق الإعلام الجريء بالإنتقاد. شركات الأقمار الصناعية ليست مخولة التدخل في محتوى البث الإعلامي، بل هي لبيع الخدمات فقط. والسلطات اللبنانية مسؤولة دستورياً عن حماية نطاق الحريات والتعدد الإعلامي. وكافة الفعاليات الوطنية مدعوة للبحث عن وسائل جديّة تمكّننا من اقتناء أقمار للبث الفضائي في لبنان، علّنا نحمي جميع الحقوق والحريات الإعلامية الحرّة في كافة أرجاء وطننا العربي والإسلامي.
المحامي إبراهيم أسامة العرب