الإيمان يبدأ فقط عندما يتوقّف العقل العلمي
نبيل مقدم
«حدود المجتمع» هو مقاربة سوسيولوجية في تحليل بعض المفاهيم الاجتماعية. ميزته أنّه يمثّل محاولة لوضع حدّ للبلبلة التي تسود أذهان مثقفينا بخصوص بعض المفاهيم التي يتعاملون معها، من دون الوقوف عندها للتأمل في طبيعتها وتبيان الحدود التي تفصل بينها وبين مفاهيم أخرى.
ومن بين هذه المفاهيم التي أخضعها المؤلف للدراسة والتمحيص، مفهوما الإيمان والمعرفة، ومفهوما الحضارة والمدنية، ومفهوما الاجتماعية والمجتمعية، والمعايير المجتمعية المكتوبة وغير المكتوبة، والقيم بشكل عام والإنسان ـــ المجتمع ومفهوم الحزب العقيدي.
ومنير خوري هنا في تناوله لأي من هذه المفاهيم، لم يقصر تحليله على البعد السوسيولوجي، بل تجاوزه إلى البعد الفلسفي، ممّا أعطى لمقاربته لهذه المفهومات بعداً نقدياً. ويقول الدكتور عادل ضاهر الذي قدّم للكتاب «إنّ منير خوري يدعو القارئ في كتابه هذا إلى إعادة النظر في ما هو مسلَّم به في هذه المفاهيم، وهو يحرّضه بشكل مضمر على طلب المزيد من التعمّق في فهمها، ويستنفر فيه شتّى الأسئلة بشأن ما ينطوي عليه الفهم الصحيح لها».
فيما يرى الباحث والناقد سليمان بختي أن «منير خوري لا يتوقف عند المفاهيم الاجتماعية لأجل تحليلها وتحديدها وتمييزها واستجلاء معانيها، بل يتجاوز ذلك باتجاه رؤية فكرية تقوم على خصوصية الواقع الحضاري وعلى النقد وعلى الالتزام».
من الأمور الأساسية أيضاً التي يثيرها خوري في كتابه هذا، مسألة فكّ الارتباط بين حقّ المقاومة من جهة والإرهاب من جهة أخرى، ومسألة صراع الحضارات. في هذا المجال، يقول الكاتب إنّ الحضارات لا تتصارع ولا تتصادم، بل الذين يتصارعون ويدعون إلى الحوار يسيئون عن جهل أو سوء نية إلى معنى الحضارة. ويتحدث خوري عن المفهوم الإيماني بين اليقنية والرمزية، فيشير إلى أنّ الإيمان يبدأ فقط عندما يتوقف العقل العلمي عند حدود طاقته الحسية ـــ العلمية.
أمّا الثقة اليقينيّة، فهي عكس المفهوم الإيماني، إذ إنها تنتهي عند الحدود التي ينطلق منها الإيمان الحقيقي، والصراع هو بين اتزان العقلانية من جهة، وجموح الفضولية من جهة أخرى. ومن هنا تبدأ المعركة الإيمانية بين إيمان يقيني من جهة، وما يسميه الكاتب «إيماناً رمزياً» من جهة أخرى.
وفي مفهوم الأحزاب العقائديّة، يلفت الكاتب إلى أنّ العنصرين الضروريين لنشوء الحزب أو الجمعية هما وجود المشكلة ووجود الوعي لهذه المشكلة. وانطلاقاً من ذلك، نستطيع التأكيد أن الأحزاب والجمعيات هي دوماً نتيجة حتمية لكل المجتمعات البشرية، وخاصة المجتمعات الحضارية المتقدمة والمتطلعة دوماً نحو الأكمل والأفضل، وإن هذه الأحزاب والجمعيات تفقد مبرر وجودها في حالتين فقط لا ثالث لهما في المجتمعات الطوباوية، حيث يبلغ الإنسان درجة الكمال، ويدرك عندها حقوقه وواجباته.
أما في الحالة الثانية، فهي بعكس الأولى تماماً، أي عندما ينعدم الوعي الاجتماعي عند الإنسان ويكون من البدائية، بحيث ينحدر إلى مستوى العجماوات. وهذه الحالة أيضاً ليست واقعية، لأن المجتمعات البشرية ارتفعت فوق هذا المستوى البدائي منذ زمن طويل.
في نهاية الأمر، إنّ كتاب «حدود المجتمع» يحمل إضافته المعرفية ووظيفته التجديدية النابعة من المعاناة الذاتية والموضوعية، الهادفة إلى توظيف التجربة والاستناد إلى الأسس العلمية ـــ العقلانية في عملية التغيير الاجتماعي والحداثة الحقيقية.
* كاتب لبناني


العنوان الأصلي
حدود المجتمع ـــــ مقاربة سوسيولوجية في تحليل بعض المفاهيم الاجتماعية
المؤلف
منير خوري
الناشر
دار نلسن