من الصحافة إلى المعتقل إلى السياسة... فالصحافة
سليمان الشيخ
لم يكن بعيداً من السلطة والسلطان بصورة من الصور، سواء أيّام حكم الرئيس جمال عبد الناصر، أو أيّام أنور السادات. ترأّس خلالهما رئاسة تحرير أهم وأوسع الصحف والمجلّات انتشاراً في مصر وفي البلدان العربيّة الأخرى. مع ذلك فإنّ أحمد بهاء الدين (1927 ـــ 1996)، هذا الكاتب المفكّر، تعرّض في بدايات عمله وكتابته في الصحافة، لاتّهامات بأنّه دعا إلى قلب نظام الحكم في زمن الملكيّة، وكان عمره نحو عشرين سنة، وقدّم إلى نيابة أمن الدولة، ثمّ تعرّض للتوقيف عن العمل والنقل والفصل، وحتى السجن في زمن الثورة، وآثر بعد أن أصابته جلطة دماغيّة عام 1975 وبنصيحة من الأطبّاء أن «يتغرّب» ويذهب إلى الكويت، ليرأس تحرير مجلّة من أوسع المجلّات العربيّة انتشاراً هي مجلّة «العربي» في الفترة الممتدّة من 1976 حتى عام 1982، مؤثراً «استراحة محارب» من هموم التعقيدات الواسعة والتفصيليّة في مصر، وخصوصاً بعد أُوقف ونُقِل 120 كاتباً من مراكزهم التي كانوا يشغلونها في أهمّ المواقع الفكريّة والثقافيّة والفنيّة والصحافيّة، وحتى الأكاديمية؛ إلى مصلحة الاستعلامات في زمن الرئيس أنور السادات وقبل حرب 1973، في خطوة لتطويع الصحافة في عهد السادات من طريق الصدمات الكهربائيّة ومن بينهم أحمد بهاء الدين الذي كان نقيباً للصحافيّين.
فما هو مشروع أحمد بهاء الدين الفكري؟ وكيف تعامل مع السلطة والسلطان، وما هي بعض مواقفه كما يسردها الكتاب؟
منذ بدايات مسيرته في عالم الكتابة، التفت إلى القضايا المهمّة في حياة بلاده والبلدان العربيّة الأخرى، وقبل أن يصل إلى الثلاثين من عمره، وقبل أن يغوص في دهاليز عالم الصحافة، كان قد أصدر عدّة كتب من بينها: «الاستعمار الأميركي الجديد» وهو أوّل كتبه وأصدره على نفقته الخاصّة عام 1951، أي في زمن الملكيّة. ثمّ أصدر بعد ذلك «مبادئ وأشخاص» و«فاروق ملكاً» و«أيّام لها تاريخ» و«شهر في روسيا» وترجم كتاب «الثورات الكبرى» للعربيّة للزعيم الهندي الراحل جواهر لال نهرو، أتبعها بكتب مثل «حرب أكتوبر» و«محاوراتي مع السادات» و«اقتراح دولة فلسطين» وغيرها.
ظلّ يدعو في كتاباته الأولى إلى النهضة والعدل والمساواة في ظل الحكم الوطني، ويرفض الأحلاف، ويدعو إلى سياسة عدم الانحياز، وتحديد الملكيّة الزراعيّة، وتأميم البنوك الكبرى، وفرض ضرائب تصاعدية وإلغاء الضرائب غير المباشرة، وتأميم تجارة القطن. وهاجم غلوّ البيروقراطيّة، ونادى بمحو الأمّيّة وضرورة الالتفات إلى القرية المصريّة. وإذا كان بهاء قد أيّد ثورة يوليو عند قيامها، فإنّه تحفّظ على الكثير من إجراءاتها، وعندما صرّح بعض رجالها في مجلة «روز اليوسف» أنّ هتلر مثلهم الأعلى، وكان أنور السادات من بين هؤلاء، كتب بهاء مقالاً كشف خلاله خطر النازيّة.
كما أنّه عندما عرض فيلم «ستالين» فإنّ بهاء انتقد ما جاء في الفيلم وما اعتبره «عبادة الفرد».
قضيّتان مهمّتان كانتا بحاجة إلى توضيح: لماذا سُجن أحمد بهاء الدين في الرباط ثمّ الخرطوم، وما هي المعطيات والتفاصيل في هذا الأمر؟ ثمّ الكشف عن تفاصيل العلاقة التي قامت بين السادات والحرس الحديدي، ولماذا اختار عبد الناصر السادات من بين رجالات الثورة ليكون نائباً له؟
* كاتب فلسطيني


العنوان الأصلي
في صحبة أحمد بهاء الدين
الكاتب والناشر
مصطفى نبيل