خضر حسّاندأب الزعماء اللبنانيون على ترسيخ فكرة بناء لبنان على قاعدة العيش المشترك، ووصل الأمر إلى حدّ جعل هذه القاعدة أمراً «مقدّساً» ويحرم المس به.
ما سقط سهواً أو عن قصد، هو أنّ هذه القاعدة هي من صنع «الاستعمار» الذي يرفضه الجميع ويشدّدون على سلبياته، وبالرغم من ذلك يستمرّون بالعمل ضمن هذه الصيغة «التوافقية» التي ما أنتجت في هذا الوطن سوى الويلات والصراعات والمزيد من الانقسام المعلَن وغير المعلن بين أبناء الوطن الواحد.
قاعدة العيش المشترك هذه هي التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه الآن، هي سبب من أسباب الحرب الأهلية التي انفجرت في 13 نيسان 1975.
من قال إنّ العلاقات الجيدة بين اللبنانيين، على مختلف انتماءاتهم الطائفية والسياسية، بحاجة إلى اتفاق مسبق يحدّد إطار هذه العلاقات؟
من قال إنّ الرجوع إلى صيغة العيش المشترك هو مخرج لبنان من نفق الانقسام السياسي والطائفي؟ ومن قال إنّ إلغاء الطائفية، التي يعترف الجميع بأنها مشكلة لبنان الأساسية، تلغى من النفوس قبل النصوص؟ هذا الأمر ليس صحيحاً. إن علاقات المحبة بين البشر عموماً لا تحتاج إلى أي مقدّمات وأي اتفاقات، بل تتمّ عفوياً وتلقائياً، وأيّ محاولة لتأطير هذه العلاقة بطريقة بعيدة عن المساواة وفي إطار التقسيمات (على غرار تقسيم الوظائف والمناصب) هي أمر سلبي. أيضاً، فإنّ صيغة العيش المشترك، التي أثبتت الحوادث اليومية في لبنان عدم جدواها، ليست المخرج الذي سينقذ لبنان من نفق الانقسامات السياسية والطائفية، لأنها تذكّر دائماً اللبنانيين باختلافاتهم الطائفية. وعلى حدّ قول الفنان زياد الرحباني «وإذا كلكم إخوة ما في لزوم تضلّ تعيدا...». أي لا جدوى من تكرار مسألة أنّ الجميع إخوة ومتساوون، وتكرار أهمية العيش بعيداً عن العصبيات. والغريب هو أنّ «صيغة العيش المشترك» تذكّر المواطنين بأن هناك اختلافاً وامتيازات فيما بينهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مسألة إلغاء الطائفية لا تشترط بالضرورة إلغاءها من النفوس قبل النصوص، بل العكس هو الصحيح، لأن غياب سلطة الأمر والإكراه عموماً تعطي الانسان مبرّراً لاستمراره في تطبيق أهوائه ومعتقداته باعتياد وسهولة. أمّا عند وجود سلطة إكراه تفرض قانوناً ما، فإنّ هذا القانون سيطبّق بلا شك (وإن تدريجاً). فعندما وضع قانون السير مثلاً، لم يسأل المشرّع المواطن ما إذا كانت السرعة المطلوبة على طريق ما تناسبه أو لا، بل جاء القانون إلزامياً ولمصلحة الجميع، وتدريجاً تأقلم المواطنون مع القانون وأصبح تطبيقه أمراً طبيعياً.
كذلك الطائفية ومسألة إلغائها. فإذا أقرّ الدستور أحكاماً وآليات تنفيذ إكراهية وقسريّة تفترض إلغاء الطائفية، وتجري الإصلاحات على مختلف الصعد الحياتية، فإن اللبنانيين سيتأقلمون مع الإصلاحات الجديدة لأنها في مصلحتهم أساساً.