مصلح مصلحهل إنّ المقاومة، والمعارضة معها، لم تعِ نفسها تماماً، أم أن الموالاة أخطأت في حساباتها وتقديراتها فحصل ما حصل؟
على الأرجح، وبالتأكيد، أنّ الأولى أصبحت خبيرة بدقة الميزان لكل الأوزان والأحجام الدولية والإقليمية والمحلية، وها هي تعود إلى الداخل مكرهة ومجبرة مكلّلة بنصر تموز وبيدها ثأر العرب منذ صلاح الدين حتى يومنا هذا على العدو الصهيوني. لقد أدركت المقاومة بعد انتصارها الساحق على الجيش الصهيوني في لبنان أنّها ما زالت ضمن دائرة الخطر، وهي ليست في مأمن من أخصامها، فيما يسمّى تجمّع المخاوف، أي ثورة الأرز، التي ارتبطت كليّاً بالمشروع الأميركي الصهيوني المعادي. وراحت المقاومة ممثّلة بالمعارضة الوطنية اللبنانية تمارس سياسة الاستيعاب والغاندية، درءاً منها للانزلاق في وحول الحرب الأهلية المدمّرة، وحفاظاً على نصر تمّوز ومقاومته التي تحوّلت في ما بعد إلى نموذج يُحتذى على المستوى الوطني والقومي وأيقونة العرب في الزمن المعاصر.
هل وقعت المقاومة في فخّ الاستدراج إلى الداخل؟ لا شك في أن حلم المقاومة الذي استمر ما يقارب سنتين قد تحقق، وصبرها أصبح بمثابة الكيل الذي ليس بإمكانه استيعاب نقطة زائدة، فكانت قرارات حكومة السنيورة الفجرية بمثابة الهجوم المركّز على عصبها وسلاح الإشارة المتمثّل في شبكة الخطوط الخاصة بقيادة المقاومة، بغية إرباكها وجرها إلى الصعود على البث الفضائي كي تسهل مراقبتها من الأقمار الصناعية ورصد تحركاتها والقضاء على قادتها. وهكذا تصبح المقاومة أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا أن تستجيب للقرارات القاتلة وتقدم رأسها للمقصلة الصهيونية وعملائها وتفكّك شبكة اتصالاتها الهاتفية، وإما أن تعتمد أفضل السلاح في الدفاع عن النفس، وهو الهجوم.
وكان السابع من أيار اليوم الذي حدّده الاتحاد العمالي العام يوم إضراب في كل القطاعات، وتظاهرة ضخمة لتطالب حكومة السرايا بحقوق العمال المنسية منذ ما يقارب اثني عشر عاماً التي تبخّرت على حماوة وضع المنازلة العسكرية بين عصابات السلطة من جهة والمعارضة من جهة أخرى التي اكتسحت مناطق مناوئيها ودكّت معاقلهم في وقت قصير جداً. وكانت قد عزلت لبنان، وبيروت بخاصة، عن العالم الخارجي بقطعها شرايين التواصل من الداخل ومطار بيروت والمرفأ، مترافقاً مع عصيان مدني حتى تحقيق مطالبها، وهي العودة عن القرارات «الظالمة» كما سمّتها. وبالفعل، في 15 أيار 2008 عقد مجلس الوزراء جلسة أذاع وزير الإعلام غازي العريضي مقرراتها الرسمية، ليظهر فيها حرص الحكومة على السلم الأهلي واتفاق الطائف، ويعلّل أن القرارين لم يقترنا بالنفاذ ولم يصدر أي مرسوم بشأنهما يضعهما موضع التنفيذ.
وبقدر ما كان لتراجع الحكومة عن قراراتها وقع مفرح على اللبنانيين، فقد ذُهلوا لسرعة الجاذبية لموافقة الآذاريين على التفاوض والحوار والسفر إلى دولة قطر في اليوم التالي، وما تعنيه هذه الدولة من نقطة تقاطع بين المحورين الأميركي ــــ الإسرائيلي والسوري ــــ الإيراني. فهل هناك إشارة ما على الصعيد الدولي تتمثّل بما أوردته جريدة «الأخبار» يوم الخميس 15 أيار الحالي وهو أن إيران تسلّم مقترحاتها لحل مشكلات العالم؟ وموسكو تكشف على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن الدول الست قد تتخذ الخطوة التالية:
طرح عروض ملموسة على طاولة التفاوض مباشرة، وإعطاء إيران ضمانات أمنية، وضمان دور أكثر تميّزاً في المفاوضات المتعلقة بالشرق الأوسط.
إنها بدون شك إشارة إقليميّة واضحة، وإن مشكلة لبنان باتت معروفة بارتباطها العضوي بالمحور الإقليمي والدولي. فهل تكون هذه الحلحلة في قطر الانعكاسة الأولى على الوضع اللبناني؟ وهل تكون الانعكاسة الثانية عودة السوريين لمسك ملف لبنان مجدداً؟