علي شهاب *يجادل خبراء في السياسة الأميركية في أنّ القائد السابق للقيادة المركزية الوسطى في الجيش الأميركي، وليام فالون، أراد باستقالته من منصبه لفت الأنظار إلى وجود مخطط قريب لضرب إيران.
يعزّز هذا التوجه اختيار دايفيد بيترايوس بديلاً للقائد المستقيل، وهو الذي كان من المفترض أن ينتقل إلى قيادة مقرّ الحلف الأطلسي كتعبير عن «امتنان» الإدارة الأميركية لجهوده ونجاح خطته الأمنية في العراق، إلا أن الحاجة العملية فرضت تغيير مسار مستقبل بيترايوس ليصبح قائداً لمنطقة العمليات في الحرب المرجَّحة ضدّ طهران.
إذاً، تمثّل تسمية بيترايوس لترؤّس القيادة العسكرية الوسطى ضماناً للدفاع عن سياسة الرئيس جورج بوش تجاه إيران والعراق الآن ومستقبلاً، ومزيداً من الحرية لنائب الرئيس ديك تشيني في مساعيه لضرب إيران. والواقع أن بيترايوس كان قد تولى بالفعل العديد من سلطات القيادة الوسطى في العام الماضي. وعلى الرغم من تبعيته ـــ إدارياً ـــ للأميرال فالون، فقد تجاهله وأخذ أوامره مباشرة من البيت الأبيض. ومارس بالفعل مهام رئيس القيادة الوسطى في كل ما يخص العراق وإيران.
ولا يخرج القائد الجديد للقيادة الأميركية الوسطى عن مفهوم «الحرب العالمية على الإرهاب» في وضع استراتيجيته للمنطقة. وخلف هذا المفهوم يقف المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة المستفيد الأول من الحرب على إيران، إلى جانب شارع المال «وول ستريت»، وعمالقة النفط الأنكلو ـــ أميركيّين الذين يعملون جاهدين على تعديل احتياطيات النفط والغاز الهائلة في المنطقة وخصخصتها.
بكلمات أخرى، فإنّ الحرب المقبلة ضدّ إيران، لا تقودها القوّات العسكرية، بل مصالح المؤسّسات المدنية التي تقف وراء إدارة بوش.
بالأمس، وقف بيترايوس أمام لجنة الشؤون المسلحة في الكونغرس مستعرضاً واقع الدول في نطاق عمل القيادة المركزية، في خطوة تستهدف الحصول على موافقة المجلس على ترشيحه للمنصب الجديد، ولكن كلمته ترسم، في آن، حدود المصلحة الأميركية في هذه المنطقة من العالم.
تقع 27 دولة ضمن نطاق عمل القيادة الوسطى Centcom أو «18 مجموعة عرقية رئيسية»، بحسب تعبير بيترايوس.
ووفقاً لأدبيات واشنطن، تتهدّد المصالح الأميركية في المنطقة «خطر مجموعة متنوعة من الانتماءات الدينية والعرقية والقبلية والتوترات، ناهيك عن المنظمات الإرهابية العابرة للحدود، وعناصر المتمرّدين، والقراصنة، وعدم كفاية التنمية الاقتصادية»؛ جميع هذه العناصر تمثّل الوجه الآخر لعبارة «إنّ المنطقة غنية باحتياطي النفط».
ويتابع دايفيد بيترايوس في تعداد ما يصفها بـ«الشواغل الانتقالية» لدول المنطقة، في إشارة إلى الـ«تهديدات» التي تواجهها؛ وهي أربعة مستويات:
1 ـــ تنظيم «القاعدة»: وهو «الأولوية القصوى والتهديد الإرهابي للكثير من الدول في المنطقة، كما للولايات المتحدة والعديد من الحلفاء في جميع أنحاء العالم. كما أنّ هناك جماعات متطرفة أخرى أيضاً تهدّد الأمن في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، طهران ودمشق اللتان «تدعمان الجماعات المسلحة التي تمثّل تحدياً للاستقرار والسيادة للعديد من الدول في المنطقة».
2 ـــ انتشار أسلحة الدمار الشامل: وهو من العناصر «ذات الصلة بالخبرة التقنية»، إذ إنّ «الافتقار إلى الشفافية في الجهود المبذولة من جانب بلدان مثل إيران وسوريا لتطوير البرامج النووية، تمثّل مصدر قلق كبيراً للدول في المنطقة، ويمكن أن تزعزع الاستقرار وتطلق شرارة سباق تسلح إقليمي».
3 ـــ الافتقار إلى التنمية الاقتصادية المستدامة: وهذا العامل يمثّل «مسألة أمنية خطيرة أيضاً، لأنه بدون الفرص الاقتصادية، يمكن أن تكون مجتمعات الفقراء والمحرومين المحلية مرتعاً خصباً لانتشار التطرف العنيف».
4 ـــ الاتجار بالأسلحة والمخدرات والقرصنة والتهريب؛ الأمر الذي «يهدّد التجارة المشروعة وتدفّق الموارد الاستراتيجية، وغالباً ما تكون الفائدة للشبكات الإرهابية. وهذه الأنشطة يجب أن تعالج من خلال الجهود الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب».
التهديدات التي يوردها بيترايوس في شهادته مرتبطة بشكل وثيق بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وفي مقدّمها: ضمان تدفُّق النفط من دول الخليج العربي إلى الولايات المتحدة والدول الصناعية. وبحسب توقّعات وكالة الطاقة الدولية، فإنّ الاعتماد الأميركي على واردات النفط الخارجي سيزيد إلى 62 في المئة بحلول عام 2030. ومن المنتظر أن تلعب دول الخليج دوراً مركزياً في إشباع الطلب المتزايد على الطاقة في المستقبل.
في المقابل، هناك ثلاثة مصادر رئيسية قد تهدّد من خلالها «الجماعات الإرهابية» أو «الدول العدوانية» تدفُّق النفط من دول الخليج العربي. هذه المصادر هي «شيوع الاضطرابات في دولة منتجة للنفط مثل السعودية»، «أمن البنية التحتية النفطية بما تتضمّنه من أنابيب النفط ومعامل التكرير» و«أمن الممرات البحرية»، على اعتبار أن نحو 17 مليون برميل أو 52 في المئة من التجارة العالمية للنفط تتدفّق عبر مضيق هرمز يومياً.

«منطقة المناطق»: التحديات والفرص

يصف بيترايوس منطقة العمليات الخاضعة للقيادة المركزية بأنها «منطقة المناطق»، فهي تتألف من شبه الجزيرة العربية ودول الخليج ووسط آسيا وجنوبها، مروراً ببلاد الشام والقرن الأفريقي.
وفي تفصيل كل من هذه المناطق يركز بيترايوس على ما يلي:
ـــ في إيران: «تزعزع طهران الاستقرار في المنطقة، وتصرّ على عدم الشفافية والسعي للتكنولوجيا النووية، وتواصل تمويل الميليشيات والمنظمات الخطرة وتدريبها وتسليحها.
إنّ أنشطة إيران كانت ضارة بصورة خاصّة في العراق، لبنان، الأراضي الفلسطينية، وأفغانستان. وفي كلّ من هذه الساحات، تغذّي طهران، بدرجات متفاوتة، الحروب بالوكالة، في محاولة منها لزيادة نفوذها ومواصلة الطموحات الإقليمية».
ـــ في دول مجلس التعاون الخليجي: السعودية وقطر والبحرين والكويت وعمان واليمن والإمارات «هي شريكة مهمة في الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وتحسين الاقتصاد الإقليمي والتعاون العسكري، وعلاقات الولايات المتحدة مع هذه الدول تتيح العديد من الفرص الحالية لتعزيز الأمن المشترك والمصالح الاقتصادية، مثل المشاركة في أمن الخليج».
هذا التعاون يتمثل بحسب المفهوم الأميركي في مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج «في مواجهة التهديدات الإيرانية»، فضلاً عن تنفيذ مناورات وتمارين عسكرية بحرية وجوية على نطاق واسع مع الجيوش الخليجية.
ـــ في لبنان: «وُقِّع اتفاق بين الحكومة اللبنانية والمعارضة بقيادة حزب الله. هذا الوضع يسلّط الضوء على الحاجة إلى دعم الجهود الإقليمية الرامية إلى مساعدة لبنان في مواجهة التأثيرات السورية والإيرانية».
لا يذكر بيترايوس كيفية الأسلوب الذي سيتبعه لـ«مساعدة لبنان»، لكنه يحمّل طهران تحديداً مسؤولية «زعزعة استقرار» هذا البلد.
ـــ في سوريا: اتخذت دمشق «تدابير غير كافية لوقف تدفق المقاتلين الأجانب الساعين للانضمام إلى عناصر القاعدة في شمال العراق. كما تواصل دمشق زعزعة الاستقرار في لبنان، من خلال تشجيع المعارضة العنيفة وتمكينها ضدّ الحكومة المنتخبة.
وأخيراً لدى سوريا جهد واضح لتطوير منشآت نووية سرية، وهذا مقلق للغاية. ومن الواضح أن المنطقة ستكون أكثر أمناً لو كانت سوريا لا تؤوي الإرهابيّين ولا تشعل سباق تسلّح إقليمياً.
كما هو الحال في إيران، فإن التحدي سيكون مع سوريا لإيجاد النهج الذي نستطيع أن نقنع القادة السوريين بأنه ينبغي عليهم أن يكونوا جزءاً من الحل في المنطقة، بدلاً من أن يكونوا باستمرار جزءاً من المشكلة». وفي هذا السياق، يأمل بيترايوس أن الإعلان عن تجديد محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل «سيمثل الخطوة الأولى نحو تلك الغاية».
ـــ في العراق: تدنّي مستوى «الحوادث الأمنية» قياساً إلى السنوات الأربع الماضية، في إشارة يريد بيترايوس تعزيز رأيه بضرورة سحب نحو 40 ألف جندي من هذا البلد بحلول عام 2009، وهي خطوة، بالمناسبة، يرفضها الرئيس جورج بوش، ومن خلفه «الرجل الذي استولى على أذنيه» الباحث فريديرك كاغان، المنظّر لخطة «أمن بغداد» (أو «فرض القانون»).
مطلب بيترايوس بسحب هذا الحجم من القوات يستدعي التركيز على «النجاحات» الأخيرة في البصرة ومدينة الصدر والموصل.
ـــ في الأردن ومصر: يُعَدّ هذان البلدان «شريكين مهمّين للولايات المتحدة في الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى ذلك، يلعب الأردن دوراً مؤثراً في المساعدة في إبلاغ المواقف في العالم العربي عن الوضع في العراق».
ـــ في أفغانستان، يشير بيترايوس بوضوح إلى أن حلف شمال الأطلسي يواجه «تحديات» جمّة في هذا البلد، ما يفرض توقعات بأن أفغانستان «ستتطلب قدراً كبيراً من الالتزام والدعم الدولي لسنوات عديدة مقبلة».
ـــ في باكستان: تواجه الحكومة المنتخبة حديثاً «صعوبات اقتصادية خطيرة ونقصاً في الطاقة، وهي لا تزال في إطار تعزيز علاقات الشراكة مع التحالف، في ما يتعلق بفهم كيفية الرد على التهديدات الداخلية لما لها من آثار عالمية. وقد شهدت باكستان نمواً في حركة طالبان وتنظيم القاعدة. كما أن أحد التحديات الرئيسية يتمثل في قدرة قوات الأمن الباكستانية غير المدّربة أو المجهزة بشكل كاف لتأمين الحدود أو للتعامل مع النموّ في عدد العناصر الإرهابية».
ـــ في آسيا الوسطى: بالنسبة للمسؤول العسكري الأميركي «هناك فرص وفيرة لبناء الشراكات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع تركمانستان، طاجيكستان، أوزبكستان، قيرغيزستان، وكازاخستان»، بما يضمن مزيداً من الاستثمارات وتحالفاً في مواجهة «الإرهاب المتنامي» في هذه المنطقة من العالم.
ـــ في القرن الأفريقي: تشمل هذه المنطقة دول الصومال، كينيا، جيبوتي، أريتريا، أثيوبيا، السودان، وجزر سيشيل. وهي جميعها تستعد للانتقال إلى نطاق عمل القيادة الأفريقية AFRICOM. في طليعة التحديات في هذه المنطقة تبرز القرصنة والإرهاب.

المبادئ التوجيهية

في مواجهة جميع التحديات المذكورة أعلاه، يقدم بيترايوس الحلول التالية:
ـــ أوّلاً: تعزيز الشراكات الثنائية. وهذا الأمر يتطلّب «قوة ذات اتجاهين: التفاهم واستيعاب شواغل الآخرين، والسعي إلى حماية المصالح» الأميركية.
ـــ ثانياً: اتّباع أسلوب «كل الحكومة» كنهج للتعامل مع التحديات؛ أي «تضافر جهود الوكالات الأخرى ضمن حكومة الولايات المتحدة، إذ إن النهج العسكري البحت، من غير المرجَّح أن ينجح». في هذا الإطار، يدعو بيترايوس إلى «العمل على طول خطوط متعددة، واستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات الحركية وغير الحركية»، أو بعبارة أخرى، إدراك أن «الأمن والاستقرار الدائم يتطلب جهوداً شاملة اقتصادية وسياسية واجتماعية ودبلوماسية، فضلاً عن الوسائل العسكرية».
ـــ ثالثاً: «ضمان التأهّب لحالات الطوارئ المحتملة في العمليات لكي تكون على استعداد للمساعدة في حال وقوع كوارث طبيعية، ولضمان ما يكفي من الإجراءات لردع التهديدات التي يمكن أن تهدّد الشركاء الإقليميّين، وإذا لزم الأمر، أن نكون جاهزين لهزيمة المعتدين الذين يهدّدون مصالحنا الحيوية في المنطقة».

* صحافي لبناني