ما نتشاركه من قيم ثقافيّة ينتج الاختلافات بينناماجد الشيخوفي حين يدّعي أنصار الحضارة الغربيّة تفوّق تراثها العظيم، يحتفي دعاة تعدّد الثّقافات بتنوّع أميركا، ويناصرون ثقافات المهمّشين والأقليّات والمنشقّين والمستعمَرين، بينما رفضت الثّقافة المؤسّسة لأنّها قمعيّة. أمّا ثقافات الأقلّيات، فبإمكانها تقديم عناصر التمكين للضّعفاء؛ وتلك ثقافات أصيلة، تتحدّث عن أناس حقيقيّين، وتحافظ على التّنوّع والخيار، وتغذّي المعارضة. من هنا، فكلّ الثّقافات متكافئة أو يجب التّعامل معها على أنّها متكافئة. ولهذا يصرّ روجر كامبل على أنّه، على الرّغم من موقف دعاة تعدّد الثّقافات، فإنّ الخيارات التي تواجهنا اليوم ليست ما بين الثّقافة الغربيّة القمعيّة والفردوس المتعدّد الثّقافات، ولكن بين الثّقافة والهمجيّة، فالحضارة ليست هبّة ولكنّها إنجاز هشّ يحتاج إلى الدّعم والحماية بإستمرار ضدّ المهاجمين في الداخل والخارج.
أمّا النّظريّة الثّقافيّة الفرنسيّة والألمانيّة والبريطانيّة، فهي عادة ما تكون معرّفة تعريفاً فضفاضاً، فيما البديل أيضاً معرّف بالتعريف الفضفاض ذاته، حيث الخطابات التنويريّة والرومانسيّة والكلاسيكيّة تحتلّ مكانة مميّزة، بينما التقليد الفرنسي يمثّل الحضارة على أنّها إنجاز إنساني تقدّمي وتراكمي، فميزة البشر أنهم متشابهون على الأقل من حيث الطاقات الكامنة، فالكلّ قادر على خلق حضارة تعتمد الهبة الفريدة للإنسانيّة، ألا وهي العقل.
وعلى العكس من المعرفة العلميّة، فإنّ حكمة الثّقافة غير موضوعيّة، حيث إنّ أعمق رؤاها نسبيّة، ولا تمثّل قوانين عامّة. وعلى أيّ حال، فإنّ الاختلافات الثّقافيّة أمر طبيعي، فلا طبيعة إنسانيّة مشتركة، بمعنى أنّها متطابقة، فقد تطوّرت اتّجاهات فكريّة عدّة عن الثّقافة، وذلك بفعل التناقض الديالكتيكي بينها. فالتّقدّم البشري كان أحد المواضيع المحوريّة التي انشغل بها المفكّرون التّنويريّون، بينما انشغل خصومهم بمصير الأمّة كلّها (على ما كان عليه الحال في ألمانيا النّازيّة). فمن وجهة النظر التّنويريّة، كانت الحضارة في خضمّ كفاح ضار للتغلّب على مقاومة الثّقافات التّقليديّة بخرافاتها وأحكامها المسبقة اللاعقلانيّة، بالإضافة إلى الولاء المخيف للحكّام المستبدّين.
إنّ تحدّي النّظريّة البيولوجيّة للتطوّر الإنساني والتميّز البشري، حثّ على تطوّر ما، ويعدّ مفهوماً جديداً نوعاً ما للثّقافة، إذ غدا ينظر إلى الثّقافة في ضوء مناقض للبيولوجيا، فالثّقافة هي التي ميّزت الإنسان عن باقي الحيوانات، وميّزت أمماً عن أخرى، ولم يكن ذلك بفعل الوراثة البيولوجيّة، لكن بفضل التعلّم والإكتساب وحتّى المجاز.
من هنا كان دأب ليفي شتراوس حثّ الإنثروبولوجيّين على ضرورة توضيح أنّ الاختلافات البشريّة تقوم على أساس مشترَك، فتتمثّل مقاييس التّجانس البشري في القدرة المشتركة على التعلّم والاقتباس والاستيعاب. بينما الاكتشافات التّاريخيّة الكبرى قد أحرزت في أرجاء مختلفة من العالم، وكلّ ثقافة هي متعدّدة الثّقافات: «كلّ الثّقافات هي نتاج المزج والاقتباسات والخلط الذي حدث منذ بدء العصور». وإلى حدّ ما، فإنّ ما نتقاسمه هو الّذي ينتج الاختلافات بيننا، والاختلافات بيننا تعتمد بدورها على العلاقات المتداخلة في ما بيننا. «إن التّنوّع هو عامل أقلّ تأثيراً في عزل المجموعات عن العلاقات التي توحّدها».
* كاتب فلسطيني



العنوان الأصلي
الثقافة ــ التفسير الأنثروبولوجي

الكاتب
آدم كوبر

الناشر
عالم المعرفة