علاء اللاميفقد تسابق عدد من قياديّي الحزب والجبهة المذكورَين للترحيب الحار بـ«زئير الأسد»، بل وحذّروا من أيّ تباطؤ أو فتور في هدير ذلك «الزئير». فهل كان من حقّ هؤلاء «الإسلاميّين والوفاقيّين» أن ينافسوا المالكي على اعتبار أنهم أيضاً «إسلاميون سنة»، والمستهدفون في الموصل من جلدتهم القومية والطائفية التكوينيّة؟
بقليل من التمعّن، نكتشف أن حقيقة الموضوع أو جوهره ليست هنا بل في مفصل آخر، خلاصته أن طابع نظام الحكم القائم في العراق قائم رسمياً وفعلياً على تركيبة «الكوتا الطائفية والعرقية»، أي المحاصصة الطائفية الرجعية المناقضة لطبيعة المجتمع العراقي التاريخية أولاً، والمتحالفة مع المحتلين الأجانب المسنودين بمئة وخمسين ألف عسكري وترسانة هائلة من السلاح والمال والتكنولوجيا. إنّ طابع النظام ــ رغم المنافسة الشكلية بين الفرقاء الحاكمين ــ باقٍ على حاله: فهو تحالف بين فصائل طائفية شيعية وسنية، وعرقية كردية، محمي بالقوة المسلحة للمحتل الأجنبي. وإن كان ثمة خاصية فهي أن هذا التحالف يقمع بقوة السلاح معسكر المناهضين الوطنيين للاحتلال وله. إنها إذاً «لا طائفية القمع المسلَّح المتحالف مع الاحتلال» وليست «لا طائفية الحكم الوطني المستقل».
إنّ إلباس حملة الموصل قناع محاربة تنظيم «القاعدة» التكفيري، بينما هي تستهدف القضاء على القوى الوطنية والإسلامية المناهضة والمقاومة للاحتلال، محاولة لا حظّ لها من الصدقية. فقد أكّدت مصادر عديدة، بعضها مقرَّب من دوائر الحكم وسلطات الاحتلال، أنّ قيادات تنظيم «القاعدة» من الصفّين الأول والثاني قد غادرت مدينة الموصل وضواحيها منذ شهرين، وانتشرت في مواقع محصّنة ومموّهة جيداً في جبال حمرين وقرى محافظة ديالى.
بل ثمة من يذهب الى أن «القاعدة» سحبت حتى عناصرها البسيطة من هناك. ولا يقلّل من أهمية هذه الحقيقة مزاعم الحكومة بأنها اعتقلت شخصاً يُدعى عبد الخالق السبعاوي قالت إنه المسؤول العسكري للتنظيم المذكور في الموصل. فمزاعم الحكومة في هذا المجال لا تُعَدّ ولا تحصى وليس ثمة ما يؤيّدها. أما القوى التي بقيت في المدينة وأصدرت بيانات تدعو إلى الصمود ومواجهة الحملة بالسلاح، فلم تقدم الكثير من النتائج العملية التي تؤكد هذا الصمود والمواجهة.
لقد أصدرت مجموعة من الفصائل الإسلامية المؤطرة في «المجلس السياسي للمقاومة العراقية» (الذي يضم مجموعات مسلحة أبرزها الجيش الإسلامي، وجيش المجاهدين، وأنصار السنة، والهيئة الشرعية، والجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية، وحماس العراق، وجيش الفاتحين) بياناً بهذه المناسبة ــ ليتها لم تصدره، أو ليتها أصدرته دون الخوض في مستنقع الاستقطاب الطائفي ــ حيث أكدت أن الاحتلال والقوات الحكومية تستهدف في هذه الحملة مدينة الموصل لأنها «قلعة من قلاع أهل السنة». وهذا كلام يدلّ على وعي سياسي طائفي لا يبشر بخير على صعيد مستقبل العمل المقاوم في العراق.
أمّا حزب البعث «جناح الدوري»، فقد أدلى الناطق الرسمي باسمه بتصريح اتصف بهدوء النبرة، وجاء متناغماً مع ثوابت الحزب التقليدية، مع تركيز خاص على استهداف الضباط الموصليين في جيش العراقي السابق. فمن المعروف أن مدينة الموصل هي منجم العراق الأول للكادرات والقيادات العسكرية طوال عمر الدولة العراقية الحديثة منذ نشوئها. ويتردّد كلام كثير عن محاولات قد تجري لتصفية حسابات طائفية، وعمليات انتقام ثأرية منهم لدورهم في حرب الثماني سنوات بين النظامين العراقي والإيراني. كما توقف تصريح الناطق الرسمي باسم البعث عند محاولات القيادات الكردية استثمار الحملة والمضي قدماً في «تكريد» مدينة الموصل العربية العريقة، ومهد الدولة الحمدانية. وهي محاولات قد يكون البعض بالغ بخطورتها، ولكنها موجودة فعلاً، وقد أكّدتها الأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام مؤخراً ومفادها أن العمل على استراتيجية «تكريد» المدينة قد بلغ منعطفاً خطيراً حين كُشف عن تعاون بين مسؤولين أكراد كبار، من بينهم نائب محافظ الموصل ورئيس فرع الحزب الديموقراطي الكردستاني خسرو كوران، وبين تنظيم «القاعدة» المتورط في اغتيال زعماء سياسيين ودينيين عرب في هذه المدينة.
خلاصة القول إنّ هناك فعلاً لا طائفيّة للقمع العسكري، لأنه لم يستثنِ طرفاً مناهضاً للاحتلال، خدمة لهذا الاحتلال وبالتعاون الميداني معه. ولكنها ليست على الإطلاق دليلاً على «لا طائفية الحكم». فالحكم الوطني المستقل، واللا طائفي، هو المقبرة الفعلية للطائفية الحاكمة، التي تدير الاحتلال مع جحافل الغزاة الأجانب.

* كاتب عراقي