أسعد أبو خليل *لا تغترّ (وإن قالوا أنك متواضع، فالكرسي خدّاع ومُفسِد). «خفف الوطء»، كما قال أبو العلاء. هم لم ينتخبوك، بل عيّنوك. انتقاك حسني مبارك (رئيس مصر الأبدي على طريقة الفراعنة) شخصيّاً في تلك الزيارة الشهيرة، وزكّاك مجلس وزراء الخارجية العرب، وباركَكَ النظام في سوريا. شعبُ لبنان لم يقترع لك، ولا حتى أهل عمشيت شاركوا في الاقتراع. لا تشعرْ بحرَج.

الرئيس لا يُنتخب في لبنان

لكن لاحِظ. الرئيس لا يُنتخب في لبنان، لا من النوّاب ولا من الشعب. كل رؤساء لبنان أتوا بإرادة السفارات الأجنبية ثم تولّى النظام في سوريا المهمة (في الانتقاء وفي التنصيب) منذ عام 1976 حتى اليوم، ما عدا 1982 عندما فرضت إسرائيل، بمعيّة مال ميشال المرّ الوفير، بشير الجميل، ثم أخاه أمين من بعده. والأخير، وفق المراجع الإسرائيلية، وعد الإسرائيليّين بعد تنصيبه بأن يعطيهم أكثر مما كان يودّ أخوه أن يعطيه لهم. النظام في سوريا كان يجوجل المرشّحين وينتقيهم بعد ذلك ــــ وإن حاوَلَت المَاما معوّض اليوم أن تدّعي أن رينيه معوّض كان معارضاً للنفوذ السوري في لبنان، كما كان بابراك كارمال معارضاً للنفوذ السوفياتي في أفغانستان، وكما يعارض حميد كارزاي اليوم النفوذ الأميركي في أفغانستان ــــ.
قد تقول إن الانتخابات في عام 1970 كانت حرّة، ويسرّ الصحافة في لبنان الترويج للوهم المذكور. لم تكن حرّة أبداً. كل ما في الأمر أن السفارات الأجنبية المتصارعة في بيروت آنذاك لم تتفق على مرشح في عام 1970 كما اتفقت في الأعوام السابقة (هناك كتاب بالإنكليزية لسعيد أبو الريش عن تلك الحقبة في بار السان جورج). تصارعت الحملات والرشى من الطرفيْن: وهناك بين النواب من قبض من الطرفيْن، وبعلم الطرفيْن. كان ذلك زمن «الألقاب الانتخابية»، عندما كان النائب يُعطى اسم المرشح ممهوراً بلقب معيّن، حتى يتيقّن الراشي من صلاحية الرشوة ووثوقها. كانت لهم أيام ــــ لا قدرة لهم اليوم على منافسة رشى الحريري (وإن قام الحكم السعودي بالواجب في انتخابات المتن، وإن اشتكى وزير سعودي من سرقة البعض في لبنان للمساعدة الملكيّة الانتخابية ــــ وهناك في لبنان اليوم ممن يدافع عن آل سعود بحجّة أنه من الصهيونية معاداة الحكم السعودي، مع أن «رمزي سعد» ورفاقه من اليساريّين السابقين هم من دعاة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، ومن مريدي عزّام عزّام). ثم اتفق أن الإدارة الأميركية تخلّت في 1970 عن المكتب الثاني (ربما لظنّها أنه تهاون في محاربة اليسار اللبناني والفلسطيني)، فيما دعم النظام المصري ترشيح الياس سركيس. كانت معركة بين المكتب الثاني المدعوم من بعض الأنظمة العربية وبين مرشح «تكتّل الوسط» المدعوم من الأنظمة الخليجية والأنظمة الغربية. (كنتُ ابن العاشرة في 1970. أذكر أن أبي (الموظّف في المجلس النيابي) عاد إلى المنزل في تلك الليلة ليعلن: «خرب البلد». كان ذلك عندما وعد سليمان فرنجية بأن يجعل اللبنانيين ينامون وأبوابهم مفتوحة، من كثرة الأمن). كانت تلك «الانتخابات» الرئاسيّة الوحيدة التي لم تُعلم نتائجها قبل حدوث الاقتراع. بقية الانتخابات الرئاسية كانت معروفة النتائج سلفاً. كانت سلسلة من المسرحيات: يدخل النواب إلى القاعة ويلحق بهم الصحافيّون ويتوهّم الجميع أن العمليّة الديموقراطية ستأخذ مجراها. لكن الانتخابات كانت دائماً تجري وراء الكواليس وفي اتصالات سريّة بين السفارات. مَن مِن الشعب اللبناني كان يعلم شيئاً عن شارل حلو عند الاتفاق على «انتخابه» في الليلة السابقة في عام 1964؟ وفؤاد شهاب: كان مرشح السفارتيْن المُرجِّحتيْن، لا مرشح الشعب.
وانتخابات الرئيس في لبنان، هي في طبيعتها نخبويّة منوطة بنوّاب لبنان، لا بشعبه، وذلك لتسهيل الرشى. لكن آل الحريري أدخلوا إلى البلد الرشى على نطاق مناطقي ومذهبي واسع، لتسهيل السيطرة على مقدّرات الدولة والوطن. وانتخابات الرئيس تكون من الشعب في معظم بلاد العالم، إلا في لبنان، وفي أميركا أيضاً لأن ما يسمّى الآباء المؤسِّسين كانوا نخبويّين في النظرية السياسية والممارسة (مات جورج واشنطن وهو أكبر مالك للأراضي في البلاد)، يمقتون الديموقراطية (مثل فلاسفة الإغريق القدماء) ويرون أن الانتخابات الرئاسية مهمّة لا تصلح لأن تقع في أيدي «الغوغاء» (أو «الدهماء» بلغة ذاك اليساري السابق الذي حاز أخيراً، وبعد طول انتظار، انتباه هاني حمود). الدستور الأميركي يضع حق انتخاب الرئيس في يد «الكلية الاقتراعية» لكنها تحوّلت باتجاه أكثر ديموقراطية عبر العقود. (يقترح عالم السياسة الأميركي، لاري ساباتو، في كتابه الجديد عن الإصلاحات الدستورية والسياسية في أميركا تعديل صلاحية الكليّة الاقتراعيّة بهدف التقليل منها، وذلك لإعطاء الغلبة لصوت الشعب). أما في لبنان، فهي في يد مجلس منتخب عبر أنظمة انتخابية طائفية تُقاس على أساس الحارة، وفق رؤية بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، الذي يريد أن تتحول الأحياء السكنية إلى غيتوات طائفية ليسهّل عملية الاقتراع. (كانت الدائرة الانتخابية تُقاس عبر مصالح رفيق الحريري بالاتفاق مع من كان يمنحهم مفاتيح بيروت ــــ إذ إن مفتاح بيروت أُعطي له ــــ في حقبة النفوذ السوري). لكن وضع انتخاب الرئيس في يد مجلس النواب لم يكن من قبيل الصدفة: فهذا سهّل مهمات «الإقناع» من جانب ميشال المرّ في عام 1982، ومن جانب رفيق الحريري ورفيقيْه في الأيام الخوالي، غازي كنعان ورستم غزالة من بعده، في عقد تسلّط الطائف ــــ عندما كان رفيق الحريري يحارب من أجل السيادة، على ما يُقال لنا في إعلام الحريري وتوابعه ــــ.

تسليح الجيش

لا تنخدع. هم سيقرعون الطبول وينفخون في الأبواق ويضربون الدفوف. سيطلقون العنان للأسهم النارية والمفرقعات. وجهاز الدعاية في الجيش سيقوم بالواجب، من تعليق الصور واللافتات. هذا الجهاز خَبِرَ حملات إميل لحود الانتخابية من قبل. صورُك تملأ الحيطان، وشعارات فارغة تنتشر في الشوارع. حوّلوك إلى مونتغمري زمانه. شعارات وهتافات من كل حدب وصوب وعمشيت في عرس. لو أنهم يعترفون. أغانٍ ومهرجانات ودبكة. الكل يتقرّب منك، والكل يعطي النصيحة. والنصيحة كانت بجَمَل في القديم، وهي اليوم بكسّارة. وبعض هؤلاء سيسيّل الحبر غزيراًًً في مديحك، وينقلب عليك كما فعلوا بإميل لحود. تذكّر فارس خشان. تذكّر ما كتبه في مديح لحود والنظام السوري، ثم تذكّر استداراته وشقلباته الجمبازيّة. تذكّر أن التحوّل والتقلّب والانتهازيّة في وطن الترمس تُعدّ فضيلة، وخصوصاً في صحافة النفط وصحافة «من يحسب أن ماله أخلده».
وللحق، فإن شعب لبنان لا يعرفك حق المعرفة. أنتَ منطوٍ وهذا جيّد، وخصوصاً أن صياح لحّود صمّّ الآذان في بعض المفاصل (وخصوصاً أن حكومته الأولى ضدّ الفساد ضمّت ميشال المرّ، ولم تعثر إلا على وزير فاسد واحد من الأرمن اللبنانيّين). شعب لبنان بالكاد سمع صوتك. هو يأمل أن يكون إلمامك باللغة الرسمية للبلاد أفضل من خلفك. ولكنهم يُجمعون على مديح أفعالِك في نهر البارد. لا تصدّقهم، ولا تقع أسير حماستهم العنصرية. تلك كانت وصمة عار، وستقبّح وجه لبنان إلى الأبد. هي لم تكن معركة، ولم تكن حرباً. هي أقرب إلى المجزرة والحرب التدميريّة. لم تشرّف الوطن، ولا جيشه. قد تكون نتاجاً من مغامرات آل الحريري (وراعيهم السعودي) المدمّرة، لكن الجيش، وفق عقيدته القتالية الجديدة، على ما نسمع، ما كان يجب أن يقع في هذا الفخ، إذا كان منصوباً. تدمير نهر البارد ذكّر بجيش اسكندر غانم، حتى ولو تنوّعت الطوائف في الجيش الجديد. والذي زاد من شرّ الواقعة أنها أتت على أثر عدوان إسرائيل على لبنان. موقف الجيش لم يكن موفّقاً، بالرغم من كلامك الجميل عن الموقف المبدئي ضد العدو الإسرائيلي. وتغيير عقيدة الجيش لا معنى له عملياً إذا لم يترافق مع تغيير في مسلك الجيش الفعلي، ليس فقط من منظور الحرص برمش العين على ضيوف لبنان من الشعب الفلسطيني، بل في مواجهة عدوانية إسرائيل، دفاعاً عن الحدود.
أعلم، أنه سيُقال: 1) إن شهداء سقطوا للجيش. 2) وإن الجيش ساند المقاومة. 3) وإن الجيش يفتقر إلى الأسلحة الضرورية. الجواب بسيط. صحيح أن عدوانية إسرائيل لا ترحم وأن العدوان الصهيوني يضرب خبط عشواء، لكن الجنود اللبنانيّين قُتلوا في أسرّتهم في عدوان تموز. وزاد من الطامة كلام عرمرمي لكن فارغ لإلياس المرّ، الذي أطلق تهديدات صحافية قبل أن يختفي (وسنعود إليه تالياًً). يجب على الجيش أن يتصدّى لإسرائيل من دون مواربة ولا تستّر ولا حياء. ولا يكفي أن يساند ــــ فقط يساند ــــ الجيش المقاومة، بل هذا واجب، لا منّة. ويجب أن يجري في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد وأمام الشاشات وفي الساحات، لا في الخفاء. هي مهمة الدفاع عن الوطن، بوجه من لم يرحم الوطن وساكنيه منذ احتلال فلسطين. وشعب لبنان يدفع ضرائب باهظة من أجل أن يقاتل جنود الجيش. ليس من مصلحة هذا الجيش أن يقال إنه في تاريخه لم يحارب إلا المتظاهرين والمتظاهرات، بالإضافة إلى أهلنا في المخيّمات. (في عام 1973، وقف جيش لبنان متفرّجاً عندما دخلت فرقة اغتيال إسرائيلية إلى بيروت، ثم شنّ بعد أسابيع حرباًً شعواء على المخيّمات الفلسطينيّة). أما بالنسبة إلى افتقار الجيش إلى السلاح، فهذا صحيح أيضاًً لكنه لا يعفي الجيش من المهمة التي وُجد من أجلها. ولماذا لا يجعل الجيش مهمة التسليح القوي والمتطوّر قضية القضايا، فيما يسعى آل الحريري (ومصفّّقوهم ومطبّلوهم وضاربو الدفوف في حاشيتهم من اليساريين السابقين والناصريّين السابقين) إلى نزع سلاح الجيش وسلاح المقاومة. هم ببساطة يريدون سياسة دفاعية للجيش لا تعتمد على السلاح بل على الورود والأرزّ بوجه المحتلّ (كما يريد من وقّع تلك العريضة السخيفة عن المقاومة السلمية، كأن لبنان يجاور السويد أو النروج). إنها الاستراتيجية الدفاعية للمرشال كارلوس إده وقائد الميدان سليم دياب. أما بالنسبة إلى افتقار الجيش إلى السلاح، فلماذا لا تعترض قيادة الجيش (علناً وجهاراًً ورسميّاًً) على سياسة تسليحه، أو عدمها، بما يسمح فقط بقمع العمال والطلاب والمتظاهرين والمتظاهرات، ومن دون أن يسمح بالدفاع عن الوطن أمام اجتياحات إسرائيل وعدوانها؟ هي سياسة الحكومات الغربية التي لو تسنّى لها لأحاطت إسرائيل بجيوش عربية لا تملك من السلاح إلا العصيّ أو الزبيب لضرب الجيش الإسرائيلي المحتل به عند تقدّمه. وسياسة الحكومات الغربية الحريصة على أمن احتلالات إسرائيل تتوافق بالتمام والكمال مع سياسة هؤلاء المثقّفين (وجلّهم يعمل في مؤسّسات مموّلة إما سعودياً وإما حريريّاً) الذين وقّعوا عريضة «المقاومة المدنيّة» ضد الاحتلال ــــ هلمّوا واقرعوا كؤوس الشاي أمام الاحتلال، لعله يرعوي ــــ.

بتغرين مقرّ الزعامة

ثقافة «حب الحياة» في لبنان تتوافق، يا للصدفة، مع ثقافة محمد دحلان ونوري المالكي ومفتي السعودية المتنوّر وآية الله السيستاني الحريص على منع لعبة الشطرنج لا على منع الاحتلال الأميركي. ولماذا لا تصيح قيادة الجيش اللبناني معترضة عندما تصدر إعلانات طنانة من السفارة الأميركية في بيروت عن وصول إمدادات عسكرية أميركية من الجيش الأميركي. كل ما يصل هو عبارة عن شاحنات وحافلات وذخائر، كأنها كافية للدفاع عن الأرض والحدود. هل يتوقع الجيش اللبناني أن يتصدّى للطائرات الإسرائيلية بالشاحنات؟ هل هي عقيدة عسكرية مبتكرة؟ شاحنات وحافلات من كلّ الدول الموالية للمشيئة الأميركية.
لا تثق بأبي الياس المرّ. هو المتحوّل الأكبر. وتذكّر أنه سيحاول أن يصبح عرّاباً للعهد الجديد، كما فعل في حفلة تنصيب بشير الجميل، وفي حقبة تسلّط النظام السوري في لبنان. تذكّر كيف بدأ الياس المرّ، طيّعاً في يد رستم غزالة، ثم انتهى إلى اختراع البطولات أمام غزالة... بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان. هو سيقدّم عروضاً وسيدّعي القدرة على خلق الزعامة، من مقرّه في بتغرين. ما اقترب أبو الياس المرّ (وابنه) من عهد إلا وأفسده. كان أبو الياس شبه مقيم في عنجر ــــ كان هذا قبل أن يكتشف الياس المرّ عشق السيادة الحريرية ــــ. ولكن، يمكنك الاستعانة بالياس المرّ في موضوع واحد فقط: فليس هناك من هو أخبر منه في موضوع شرّ عبدة الشيطان المستطير. وفي رأي الياس، فإن جيوش عبدة الشيطان (بالإضافة إلى جيوش شهود يهوه التي حذّر بطريرك أنطاكية من شرّها أكثر من مرّة) تمثّّل خطراً على سيادة لبنان أكبر من خطر جيش العدوّ (الإسرائيلي).
لا تدع المديح يشوّش الرؤية. أتقرأ جريدة آل الحريري؟ هم خوّنوك وانتقدوك وكادوا أن يلحقوك بريف دمشق، وعندما عادوا من الدوحة، بجّلوك ومدحوك، وأكلوا كل ما قالوه سابقاًًً عنك. تغيّرت الأوامر (هل من لاحظ كيف توقّف الإعلام السعودي عن انتقاد قطر، كما توقف الإعلام القطري عن انتقاد السعودية؟ هكذا فجأة). والكثير من كتّاب العواميد والعناوين يغيّر ويتقلّب بأمر، أو طمعاً في رحلة في طائرة الحريري التي استطاب السفر فيها تيري رود لارسن وعمرو موسى وآخرون من ضعاف النفوس. المديح يتحول إلى هجاء، بالسرعة التي تُغيّر فيها الجوارب. سيمدحونك ويؤلّهونك ثم ينقلبون عليك إذا ما أتت الأوامر من قريطم، أو من الرياض. هؤلاء هم متخرّجو مدرسة فارس خشان وحسن صبرا (الناصري السابق) الصفراء في بذاءة الإعلام.

خطاب القسم

لنتصارح. خطاب القسم لم يأتِ بجديد، وإن حاولوا أن يجعلوا منه آية في البيان الساحر. بدا نافراً في انتقائه جملاً وعبارات من أدب الأكثرية وبعضاً من جمل المعارضة. كان في مزجه كالفتّوش، لا هويّة خاصة به. لم يختط خطاًً مستقلاًً. وكنت أحبّذ أكثر خطبك في قيادة الجيش لتشديدها على العداء للعدو الصهيوني. وهالني في خطابك تلك الإشارة النافرة إلى عملاء وجلّادي جيش لحد في إسرائيل. هؤلاء يتحمّلون ما حلّ بعائلاتهم، كما تحمّلت عائلات عملاء النازية وزر أفعال مناصري الاحتلال النازي في فرنسا. هم لم «يلجأوا إلى إسرائيل»، كما وَرَدَ في خطابك، بل فرّوا من الوطن. لا أيها الرئيس الجديد. «حضن الوطن» لا «يتّسع للجميع» كما جاء في الخطاب. حضن الوطن لا يتّسع، ولا يجب أن يتّسع، لمن أعان العدوان والاحتلال الإسرائيليين. هؤلاء يجب أن ينبذَهم الوطن، وإن اشتاق البطريرك الماروني إليهم ــــ وهم من مختلف الطوائف ــــ. هؤلاء هربوا مع فلول الجيش المهزوم الذي طُرد شرّ طردة. حضن الوطن متّسع لكنه يضيق، أو يجب أن يضيق، بأعوان الاحتلال. ليكن ذلك واضحاًً منذ البداية، وخصوصاً أن هناك من يقدّم خرائط للعدو بمواقع أعداء العدوّ، لا جيرانه، في لبنان. ليكن ذلك واضحاً منذ البداية، وخصوصاً أن هناك ضغوطاً ستُفرض عليك من أجل التطبيع. ولا تدع المفاوضات السورية ــــ الإسرائيلية تؤثّر في موقف لبنان الحازم برفض التفاوض والتصالح مع العدو. وأبعد شفتيك عن كؤوس الشاي، أيها الرئيس الجديد. فبين الشاي ولبنان تجربة مرّة ومشينة، وإن كان تحقيق أحمد فتفت ــــ ما غيره ــــ في مسلك أحمد فتفت قد برّأه بالكامل من أي ذنب. فلتكن عقيدة الجيش تقديم العلقم والسم لجيش العدو، لا الشاي أو الجلّاب المثلّج. (لا ندري إذا كان أحمد فتفت قد أنّب عدنان داوود على تقديمه للشاي من دون أقراص التمر والجلّاب والمقبلات. هل تعتزم قوات عائلة الحريري تقديم قائمة بالمأكولات إلى جيش الاحتلال في العدوان المقبل ليختار منها ما يشاء، أم أنهم سيطلبون مشورة صولانج الجميّل التي كانت تعدّ الأطعمة اللبنانية لأرييل شارون كما روى في مذكراته؟).
لا تطرب للتصفيق. ففي لبنان، المصفّقون كثيرون، وهناك من يهتف بدولار أو أقلّ. أوَتذكر هؤلاء الذين صفّقوا لسلفك ثم عادوا وصفّقوا ضدّه بثمن؟ وسيرقصون أمامك بالشمعدان، كما رقصوا أمام رستم غزالة من قبلك، وسيلقون القصائد، كما يفعلون مرة في الأسبوع في مجلس صانع الثقافة العربية، الوليد بن طلال. سيغنّون لك، وسيغنون ضدّك. سيمدحونك وسيهجونك. قد تصل الأمور بك إلى العزلة القاتلة. قد تجد نفسك من دون زوّار، ما عدا وديع الخازن. قد تضطرّ إلى تفقّد سد شبروح مرّة في اليوم لتمضية الوقت.
لا تنس. أنت ترأس كياناً يخال أنه وطن. تنتابه لعنات من الأوهام ومن الأساطير القاتلة. والرئاسة بعد الطائف منقوصة ليس فقط بفعل التغييرات الدستورية، لكن بفعل تنصيب عائلة مالكة في لبنان بدعم سوري ــــ سعودي مشترك. وتلك العائلة لا تعترف بالشركاء، وإنما بالتابعين، يعاونها في ذلك فريق عرمرمي من الصحافيين المنبهرين بالشيخ سعد.
لا تكابر. حاول أن تتبيّن مدى الخسارة والضرر والأذى الذي ألحقه الجيش بمخيم نهر البارد ــــ ونتحدث هنا عن أهل المخيم لا عن فتح الإسلام الذين يُسأل عنهم راعو السلفية في لبنان وفي الرياض ــــ. ماذا لو ذهبتَ إلى مدافن شاتيلا وتركت إكليلاً هناك؟ ماذا لو وضعتَ نصبَ عينيك تطمينَ شعب فلسطين في لبنان. وحسناً فعلت في خطابك عندما ذكرت أن منع التوطين لا يعني طرد الفلسطينيين من لبنان. من واجبك أن تضع 47 وردة على مقبرة 47 مدنيّاً سقطوا في نهر البارد.
وأخيراً، لا تعتب على باسم السبع. صحيح أنه وضع ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع، لكنه رجل مبادئ، وإن شبك يده بيد رستم غزالة في 2003 عندما مشى في تظاهرة «تأييد ومبايعة» لبشّار الأسد. وتذكّر أنه رافق الشيخ سعد في جولاته الدبلوماسية إبّان العدوان الإسرائيلي على لبنان من أجل تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بدموع السنيورة. وبدموع السنيورة والتمنيّات تُحرّر الأوطان، على ما يفيدنا إعلام العائلة الحاكمة ــــ أو عائلة شُبّه لها أنها سلالة حاكمة ــــ.

* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)