إسقاط لقيم الحرية واستقلال القضاء على غير زمانهماعامر ملاعب
يستعيد كتاب «الفريق طاهر يحيى ــ ضحية الصراعات السياسية والعسكرية في العراق»، ذلك التاريخ الحافل من سياسات عصر الانقلابات والمؤامرات التي سادت عقود النصف الثاني من القرن العشرين، ويظهر الكاتب سيف الدين الدوري تلك الحقبة عبر تأريخ مرحلة طاهر يحيى (1916 – 1986 من مواليد مدينة تكريت) كمثال على ذلك الزمن العربي، حيث كانت بضعة تقارير حزبية كفيلة بتعبئة مجلس قيادة وبالتعاون مع بعض الضباط على الانقلاب وإطاحة من يمسك بالحكم. إنها فترات عدم الاستقرار بامتياز أي تبدلات وجوه الحاكمين دون مضمون فعلي، وكأنها كانت تمهيداً مفتعلاً لحكم الديكتاتوريات القاسية التي جاءت بعدها.
ويعرّف الكاتب شخصية الرئيس السابق بأنّه «كان شجاعاً مقداماً قاد بنفسه كتيبة الدبابات الرابعة واتجه إلى معسكر الرشيد يوم الثاني من تموز / يوليو 1963 لإحباط المحاولة الانقلابية التي قادها بعض العسكريين الشيوعيين داخل معسكر الرشيد بقيادة حسن سريع. فقد أعلن راديو بغداد في ذلك اليوم فشل محاولة انقلابية قام بها بعض الشيوعيين، الذين حاولوا الاستيلاء على معسكر الرشيد، وأنّ المشير عبد السلام عارف رئيس الجمهورية كان أول من وصل إلى معسكر الرشيد على ظهر دبابة دخلت المعسكر عند الكشف عن «المؤامرة الشيوعية»، وأجبرهم على الاستسلام.
يشرح الكتاب مشاركات الفريق طاهر يحيى في حرب عام 1948 في فلسطين، التي اصطُلح على تسميتها النكسة، ويسأل عن السر الذي بقي دون جواب عن الأمر الذي أعطي للفرق العراقية بضرورة التراجع عن اقتحام منطقة كيشر، ونقل تلك القوات إلى منطقة نابلس لحماية المثلث
العربي.
أُبعد يحيى إلى باكستان عام 1956 بعد اتهامه بالتآمر على النظام أثناء العدوان الثلاثي على مصر، ثم عاد إلى العراق عام 1958 بعد الانقلاب الشهير وعُيّن مديراً للشرطة. ويُشهَد له بأنه وقف ضد عملية قتل العائلة الهاشمية من منطلقات إنسانية، لا بل ساعد على نجاة عدد منهم وتهريبهم إلى الخارج.
وفي عام 1963، أصبح رئيساً للوزراء في عهد الرئيس عبد السلام عارف، حيث عمل على بناء دولة قوية وتأمين الخدمات للمواطن، وعمل على استقلال القضاء وبناء مساحة واسعة من الحرية والديموقراطية، وخاصة في مجال عمل النقابات المهنية وحرية الصحافة، ووطد علاقاته الشخصية بالزعيم جمال عبد الناصر، ملهم القومية العربية وحركات التحرر آنذاك.
الكتاب محاولة جادة للإضاءة على حقبة من تاريخ العراق والمنطقة، لكنه يُسقط في طياته مسحة من قيم القرن الواحد والعشرين على حقبة الستينات، التي كانت قيمها وشعاراتها مختلفة عما هي الآن، ولكن متطلبات العصر الأميركي الغربي تفترض عناوين من قبيل الحرية واستقلال القضاء والديموقراطية وغيرها، إلّا أنّه بالطبع لم تكن ولن تكون الأمور على هذه الصورة الوردية، وما يحدث في عراق اليوم خير شاهد على معمودية الدم المستباحة في أرض الرافدين.


العنوان الأصلي
الفريق طاهر يحيى ضحية الصراعات
السياسية والعسكرية في العراق
الكاتب
سيف الدين الدوري
الناشر
المجلس العراقي للثقافة