لطيفة بو سعدن *لا تزال الساحة السياسيّة في المغرب، تعيش على وقع تفكيك السلطات لخليّة «إرهابية» يقودها عبد القادر بلعيرج، وهو مغربي يحمل الجنسية البلجيكية. وكانت هذه الخلية المسلَّحة تخطّط لاغتيال مجموعة من الشخصيات المغربية من ضمنها شخصيات يهودية. مثّل الإعلان مفاجأة للجميع بالنظر إلى نوعية المعتقلين وطبيعة بعض التهم التي نسبتها إليهم وزارة الداخلية. مفاجأة لأنّ أبرز المعتقلين معروفون بتوجّهاتهم الإسلامية المعتدلة: مصطفى المعتصم الأمين العام لحزب «البديل الحضاري»، ومحمد الأمين الركالة نائبه، ومحمد المروانى الأمين العام لحزب «الحركة من أجل الأمة» غير المرخَّص، وماء العينين العبادلة عضو حزب «العدالة والتنمية» المعارض في البرلمان، وعبد الحفيظ السريتى مراسل قناة «المنار» في المغرب، وعضو حزب «الحركة من أجل الأمة». ولأن التهم جمعت بين مرجعيات دينية وأخرى علمانية يسارية (حميد نجيبى عضو اللجنة المركزية لـ «حزب اليسار الاشتراكي الموحد») في قضية واحدة، وجعلت ولاءات الشبكة الخارجية تجمع بين منطلقات دينية يكاد يستحيل الجمع بينها لشدّة تناقض تصوّراتها السياسية. فكيف يستتبّ العمل تحت إمرة «القاعدة» والجماعة السلفية للدعوة والقتال، والجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية، وحزب الله «شيعة إيران» مرّة واحدة؟
لن نقف عند الأخطاء المرافقة للاعتقالات، التي وصفها دفاع القيادات المعتقلة بالقاتلة، فقد مسّت في العمق بالمشروعية القانونية وبمشروعية القضاء، بل سنحاول بلورة بعض الاستفهامات التي ما فتئت تزيد ملفّ الخلية الإرهابية المفترضة غموضاً، وخاصة بعد دخول الملف دائرة الاهتمام الدولي، عندما حلّت بالرباط فرقة لمكافحة الإرهاب من بلجيكا التي أكدت مخابراتها أن بلعيرج كان عميلاً لديها! وكذلك حضر وفد من الشرطة الفدرالية الأميركية، قالت مصادر مطلعة إنّه اهتمّ بشقين من الملف: حقيقة اللقاء الذي جمع بلعيرج ببن لادن في أفغانستان، ثم بهوية الشخصيات اليهودية التي كانت مستهدفة من الشبكة الإرهابية.
ربطت تصريحات رسمية أولى بين الخلية وحزب الله اللبناني من خلال قيام الخلية بتدريبات في معسكراته جنوب لبنان سنة 2002، وحصولها من جانب آخر على الدعم المادي واللوجستي من إيران. وأعطت بذلك حضوراً بارزاً لمعطى التشيّع كمبرّر للاعتقال. فهل الأمر يتعلّق باستراتيجية غير معلَنة لدى الدولة للحدّ من المدّ الشيعي في المغرب؟ بمعنى آخر، هل تقرّر فتح قوسين بالموازاة مع ملف الخلية، لبعث رسائل مشفّرة إلى من يهمّه الأمر داخل المغرب، ولا سيما أن تقارير تحدّثت عن ارتفاع أسهم التعاطف المغربي لدى فئة الشباب مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فصوره ورايات حزبه تُرفَع في تظاهرات الإسلاميّين واليسار على السواء. أم هو الخوف من أن يتحوّل «السيّد» إلى رمز للاحتجاج داخل مغرب اجتماعي مفتوح على كل الاحتمالات؟ وكذلك، فإيران هي الضحيّة المحتملة المقبلة للولايات المتحدة بالنسبة إلى رأي عام يتفاعل مع الإعلام الفضائي المتعدّد.
وقد يكون المقصود بالرسالة المشفرة، زعزعة بنية التعاطف تلك، التي لا دخل للمذهبية فيها، فيصبح الربط بين حزب الله والإرهاب، كما يقول أحد قادة الحزب في تصريح لجريدة مغربية، هو مؤامرة المقصود منها تشويه صورة حزب الله ليس إلّا.
إنّ فرضية الاعتقال بسبب الانتماء للمرجعية الشيعية ليست بعيدة في ظلّ مجموعة من المعطيات والمؤشّرات، الفعلية منها والمفترضة:
ـ استناداً إلى مصادر رسمية، قدّمت وسائل الإعلام البلجيكية زعيم الخلية بلعيرج، كمقرّب من الأوساط الشيعيّة.
ـ تقول مصادر مغربية رسمية، إنّ الحجّاج المغاربة الذين اعتقلتهم السلطات بمجرّد دخولهم المغرب الموسم الفائت، وكانوا بمثابة بداية لمسلسل تفكيك الخلية، عقدوا لقاءات سرية إبان موسم الحجّ مع فعاليّات من حزب الله، تناولوا خلالها عدّة مواضيع من ضمنها «نقل جهاد حزب الله إلى المغرب».
ـ اعتقال السريتي مراسل قناة «المنار» التابعة لحزب الله، أعطى بعداً شيعياً إضافياً للملفّ، وأدخل حزب الله مرة أخرى على خطّ التماس، رغم تأكيد مسؤول في القناة على أن هذا الاعتقال لا علاقة له بالصفة المهنية لمراسلها.
ـ رغم تراجع الداخلية عن ربطها بين الشبكة وحزب الله، فإنّ وسائل الإعلام تحدّثت عن طرح المحقّقين لسؤال العلاقة مع حزب الله ونصر الله على بعض المعتقلين.
ـ الأسلحة التي صادرتها السلطة شمال المغرب وأكّدت بلجيكا أنها كانت مسجّلة لديها، ضمّت أيضاً أسلحة إسرائيلية الصنع.
ـ مصطفى المعتصم لا يخفي تعاطفه مع بعض منظري الشيعة، وسبق أن قام بزيارات متعدّدة لإيران، ويُقال إنّه التقى شخصيات شيعية في لبنان والسيد حسن نصر الله. وكثيراً ما عبّر أعضاء في «البديل الحضاري» عن ميول عقائدية متأثرة بحزب الله. وللتذكير، لقد كانت الداخلية ترفض منح البديل الحضاري تصريحاً قانونياً توجّساً من التوجهات العقائدية المعلنة لبعض أعضائه، رغم تصريحات المعتصم المتكرّرة بأنه على المذهب المالكي، وسبق له أن بعث في رحلة بحثه عن المشروعية القانونية، برسالة إلى الملك أكّد فيها على ولائه للملكية، موضحاً العقيدة السنية الأشعرية لحزبه.
ـــ تحدّثت الصحافة الفرنسية عن اللقاءات التي جمعت بين شخصيات من «البديل الحضاري» وحزب الأمّة بشخصيات شيعية إيرانية ولبنانية في الفترات الممتدة بين 2004 و2007.
وإذا كان حزب الأمة لم ينجح حيث أفلح رفيقه في المرجعية والمنحدرات التأسيسية التاريخية، وظلّ خارج الشرعية القانونية، فهما معاً بالنسبة إلى الداخلية قد تأسّسا (الأول سنة 1998 والثاني سنة 1995) في سياق التحضير للعمليات الإرهابية التي أحبطتها مؤخراً... وبالتالي فكلا الحزبين يمثّل «واجهة سياسية لعمل عسكري سرّي انطلق سنة 1992 عقب لقاءات جمعت بين المعتصم والمرواني ببلعيرج»، أعلنوا على أثرها تأسيسهم للشبكة واختاروا المرواني أميراً عليهم: تلك كانت رؤية وزارة الداخلية للعلاقة بين الحزبين والشبكة، وطالب وزيرها علناً الصحافة بعدم التشكيك فيها.
إن التعاطف مع المذهب الشيعي في المغرب يطغى على ظاهرة التشيّع الفعلية، فذلك التعاطف منحصر في ممارسات ثقافية تنشط في العلن، أمّا الشيعة المغاربة، فما زالوا يمارسون طقوسهم في سرية وتراقبهم الداخلية عن كثب. كما أنّ التعاطف مع مرجعيات شيعية مناضلة ـ إيران وحزب الله ـ لا يتمّ من منطلق عقائدي وإنما سياسي ورمزي، لكنّ مستواه العالي قد يصبح مقلقاً بالنسبة إلى سلطة تعيد هيكلة حقلها الديني مراراً من أجل إزالة «الشوائب»، علماً أن الدستور يؤكّد على أن الإسلام هو دين الدولة دون أن يشير إلى مذهب معين.
* صحافيّة مغربيّة