strong>خورشيد دلي *مع إصرار القوى العلمانيّة في تركيا بقيادة الجيش على حظر حزب «العدالة والتنمية» من خلال انقلاب قضائي، بعد الفشل في حرمانه قيادة البلاد عبر صناديق الانتخابات، يبدو أن الحزب أمام أهمّ تحدٍّ منذ تأسيسه عام 2001 على أنقاض حزب الفضيلة الذي تأسّس بدوره على أنقاض حزب الرفاه، حيث حلّت المحكمة الدستورية العليا الحزبين الأخيرين بزعم مناهضتهما المبادئ العلمانية للجمهورية التركية التي أسسها أتاتورك عام 1923، وهي (المحكمة) تريد اليوم تكرار السيناريو نفسه مع حزب «العدالة والتنمية»، في ظلّ استبعاد حدوث انقلاب عسكري عليه، نظراً إلى التطورات والتحوّلات والتبدّلات التي شهدها المجتمع التركي في المجالات السياسية والاجتماعية والسلوكية خلال العقدين الماضيين.
السؤال الذي يطرحه الجميع في تركيا وخارجها، هو ماذا سيفعل الحزب إذا قررت المحكمة حظره؟ للإجابة عن هذا السؤال يرى المتابعون للشؤون التركية أن أمام «العدالة» مجموعة من السيناريوات التي تمثّل ما يمكن تسميتها استراتيجية المواجهة، وذلك على النحو
التالي:
1ـ أن يقوم الحزب، ومن خلال أغلبيته البرلمانية وتحالفه مع حزب الحركة القومية، بإجراء تعديل دستوري يؤدي إلى منع حظر الأحزاب من خلال المحكمة الدستورية، على أن يصبح هذا الملف من اختصاص
البرلمان.
ومع أن هذا السيناريو مطروح بقوة، إلا أنه يعاني عقبتين. الأولى: أن المحكمة الدستورية قد تطعن في مثل هذا التعديل الدستوري وتعدّه مسّاً بالقانون والمبدأ العلماني للدولة. والثانية، أنّ حليف «العدالة»، أي حزب الحركة القومية، قد لا يوافق على مثل هذا التعديل لأسباب تتعلق بالأحزاب الكردية، ولا سيما حزب حركة المجتمع الديموقراطي الممثّل في البرلمان، الذي هو الآخر مطلوب حظره من جانب المحكمة بدعوى «الانفصالية»، فيما حزب «العدالة والتنمية» وحده لا يملك أغلبية الثلثين المطلوبة لإمرار التعديل الدستوري.
2ـ أن يلجأ الحزب إلى خيار إنشاء حزب جديد مسبقاً تحت اسم آخر استعداداً لحظره. إلا أن مثل هذا الخيار يضع «العدالة» أمام مشهد سياسي جديد ومعقّد، وخسارة الكثير من رصيده، فضلاً عن الحاجة إلى خوض اللعبة الديموقراطية من جديد لاستعادة ما حقّقه حالياً، وربما لا يستطيع تحقيق ذلك بعد أن يكون الجيش قد فاز في جولة الصراع المتجدد.
3ـ أن يلجأ إلى الاتحاد الأوروبي من أجل الضغط على الأوساط العلمانية لوقف المسلسل القانوني الهادف إلى حظر الحزب. وسلاح الاتحاد الأوروبي هنا هو التهديد بوقف مفاوضات انضمام تركيا إلى العضوية الأوروبية، وهذا السيناريو غير مضمون النتائج، نظراً إلى أن الجيش لا يريد في العمق مثل هذه العضوية التي من شأنها إفقاده دوره، الذي هو أقرب إلى الحزب الحاكم ولو بطريق غير مباشر.
4ـ سيناريو الصفقة أو التسوية مع القوى العلمانية. ولعل جوهر هذه الصفقة أو التسوية هو أن يتراجع «العدالة» عن التعديل الدستوري الأخير الذي أقره البرلمان بشأن ارتداء الحجاب في الجامعات والمعاهد. ومثل هذا السيناريو سيعرّضه إلى خسارة قاعدته الشعبية العريضة، ولا سيما في الأوساط الإسلامية
والمحافظة.
في الواقع، يمكن القول إن السيناريوات السابقة تتكامل مع بعضها البعض وتؤلّف معاً استراتيجية «العدالة» في مواجهة حظره. ومع إصرار الحزب على نهجه الذي يلقى دعماً شعبياً واسعاً، يبدو أن الحزب سيستخدم كل أسلحته لبقائه في سدّة المشهد السياسي التركي، وخاصة أنّه حاز في انتخابات صيف العام الماضي أصوات 47 في المئة من أصوات الناخبين الأتراك، وهو ما يدفع بزعيم الحزب رجب طيب أردوغان إلى القول مراراً إن قرار المحكمة هو قرار سياسي وضد إرادة الشعب التركي، ويُعد مسّاً بالإرادة الوطنية التركية، وإن القرار لا يستهدف الحزب فحسب، بل التجربة الديموقراطية التركية التي أوجدت نوعاً من التعايش بين الإسلام السياسي والعلمانية. وعليه يتخوف الأتراك، ومعهم العالم، من أن يكون قرار المحكمة المنتظر بشأن حظر حزب «العدالة والتنمية» مدخلاً لتفجّر الوضع الداخلي في تركيا، ودفع البلاد إلى مرحلة من عدم الاستقرار السياسي والأمني على شكل تجدد الصراع بين الإسلام والعلمانية، بعدما أوحت التجربة التركية في محطات عديدة أن التعايش بينهما ممكن.
* كاتب سوري