علاء اللاميولعل أطرف ما قيل هنا هو العتب الذي وجهه أحد الكتاب الوطنيين العراقيين إلى قيادة الصدريين لأنها لم تذكر خلال الانتفاضة اسم مدينة الفلوجة أو غيرها!! ولا ندري لماذا يجب على الصدريين أن يبادروا إلى ذكر اسم الفلوجة أو الرمادي أو خرنابات، أم أن الواجب الوطني والإنساني يحتم على القوى الوطنية والمناهضة للاحتلال في الفلوجة أن تبادر هي ذاتها إلى دعم ومساندة المنتفضين في البصرة، كما حدث خلال انتفاضتي النجف السابقتين الباسلتين. حسبنا أن نشير إلى أن الجماهير الشعبية، وسكان المناطق التي تنشط فيها هذه القوى، أبدت من التضامن الوطني والإنساني الشيء الكثير، مما جعلها ــ كما هي العادة العراقية العريقة ــ متقدمة بأطوار على عقلية قياداتها الحزبية المحلية، فشاهد العالم حملات التبرع بالدماء وجمع المساعدات في أحياء العرب السنة في بغداد لمناطق نفوذ التيار الصدري المقصوفة والمحاصرة، وذلك رغم مضايقات عناصر «الصحوة» الذين أبدوا إخلاصاً «غريباً» لدافعي أجورهم المحتلين، وكذلك الحال في مدينة تكريت التي هبَّ سكانها للتبرع بالدماء لأشقائهم الجنوبيين.
بالعودة إلى استقراء نتائج معركة البصرة والجنوب، التي لم تضع أوزارها حتى اللحظة، يمكن القول إن الحكم المتحالف والمحمي بالاحتلال، اكتشف كم هو هش وضعيف، كما اكتشف التيار الصدري كم هو صلب وأشد مراساً مما كان ربما يعتقد. هذا على الصعيدين العسكري والتعبوي، أما على الصعيد السياسي، فيمكن تلخيص الدروس المستقاة من هذه المعركة الحاسمة بالتالي:
ــ لم يتمكّن التيار الصدري من تحشيد حلفاء جدد، كما لم يتمكن من استنهاض حلفاء قدماء، وقد يكون لفترة التخبط والعزلة التي عاشها خلال «تجميد النشاط» تأثيرها في ذلك. كما لم يتمكن التيار من تطوير واستثمار حالة الالتحاق بصفوفه من جانب وطنيين عراقيين من غير الصدريين، كأن يفتح لهم فصائل قتالية مستقلة على طريقة ما فعل «حزب الله» في لبنان أيام مقاومة الاحتلال الإسرائيلي مثلاً.
ــ لم ينجح التيار في قيادة العصيان المدني السلمي رغم البداية القوية والمتنامية التي بدأه بها، ولم يطرح الشعارات السياسية الملائمة لكل مرحلة.
ــ الأداء الواهن للقيادات السياسية العلنية للتيار، وخصوصاً بعض أعضاء الكتلة البرلمانية التي غرقت في ردود الأفعال العاطفية، غير المحسوبة والانفعالية، كما حدث في المشادة البرلمانية بين رئيس الكتلة وأحد نواب حزب المالكي.
ــ السقف السياسي المنخفض الذي ورد في بيان الصدر الداعي لإنهاء المظاهر المسلحة، حيث لم يرد أي مطلب ذي صفة شمولية، كأن يطالب بجدولة انسحاب محددة وقصيرة لقوات الاحتلال، أو رفض التفاوض مع المحتلين حول اتفاقية الوصاية القادمة، ورفض مجموعة القوانين اللصوصية كقانون النفط والغاز، أو تلك المؤدية إلى تقسيم العراق كفدرالية الجنوب والاستفتاء على كركوك...
لقد أثبتت حالة الصمود والاستعداد للتضحية لدى جماهير المقاتلين والمنتفضين في البصرة وعموم الجنوب العراقي أن الأمل ما زال معقوداً على الشعب العراقي وقواه الحية والنظيفة المناهضة للاحتلال. إلا أن الانتصارات العسكرية، مهما كانت جلية ومتميزة، فلا يمكن تثميرها سياسياً دون مشروع سياسي وطني يقطع مع منهجية التردد والسير على الحبلين، وينأى عن البواعث المذهبية والجهوية مهما كان مفعولها بسيطاً وغير ملحوظ.
* كاتب وصحافي عراقي