علي حرب *ردّاً على مقالة الزميل جان عزيز التي نشرتها «الأخبار» في عدد السبت 5/4/2008، جاءنا الردّ الآتي:
«تقول يا سيدي العزيز إن ثلاثة أسباب جعلتك غير مقتنع بحسن اختيار العماد سليمان للرئاسة:
وأول هذه الأسباب خشيتك من أن «تظل ترى في صورته بعضاً من إرث الحقبة السورية». وتعطي مثالاً لذلك رفض الفرنسيين لرئاسة بيتان لتعاونه مع المحتل الألماني، أخشى أن يكون قد اختلط عليك الأمر بين الوصاية السورية لمرحلة ما بعد الطائف، والاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982 وما أعقبه من وصول رئيس تعاون آنذاك مع المحتل، الفرق كبير بين الحالة الإسرائيلية والحالة السورية، وذلك باعتراف جميع اللبنانيين، لا فرق بين قوى الرابع عشر أو الثامن من آذار. وإن كنت تسمي بالاسم «ضحيتين وحيدتين للوصاية السورية»، فيجب أن لا تنسى أن أحدهما يؤيد اليوم وصول العماد سليمان للرئاسة، بينما الآخر المتحالف أنت معه اليوم، متحالف مع القوى المتحالفة مع سوريا. ورغم ما شاب حقبة الوصاية السورية من ممارسات خاطئة، فإن العماد سليمان لم يُعرف عنه مطلقاً أنه قام بأي فعل شائن أو مهين، أو سمح به أو تغاضى عنه، فالذي تجاوز حدّ السلطة من 7 آب نال جزاءه، والمسجونون في اليرزة، وعلى رأسهم الدكتور سمير جعجع، تحسنت ظروف توقيفهم في عهده، ولا يمكن أن يُطلب منه أكثر من ذلك، وإلا عُدّ عمله تدخلاً في القضاء. أما احتفالات الوداع للمسؤولين العسكريين السوريين، فإنها تقاليد عسكرية معمول بها في جميع جيوش العالم، وهي تجري حتى بين الجيوش المتحاربة. أمّا بالنسبة للمواقف التي كان العماد سليمان يطلقها في ظل «خطاب المسار والمصير» كما تسميه، فإنها قناعات وطنية وقومية لا يزال العماد سليمان متمسكاً بها لمواجهة عدو مشترك وغاصب، وهو الأمر الذي لا يرفضه أحد، حتى صقور قوى الرابع عشر من آذار.
وثاني الأسباب التي تذكرها هو الالتباس بين المؤسسة العسكرية والديموقراطية في حال انتخاب قائدها رئيساً للجمهورية، وخشيتك من أن يصبح رفاقه في العسكر «حكومة ظل» أو «إدارة رديفة» للحكومة الرسمية.
عن هذه النقطة المهمة أريد أن أطمئنك إلى أمور ثلاثة:
1 ـــ لم يكن العسكر في لبنان يوماً طامعين بالحكم والسلطة، إذ لم يُعرف أنه مرّت على لبنان ظروف أكثر ملاءمة من التي يشهدها اليوم لاستيلاء الجيش على السلطة، فالمأزق السياسي بلغ أوجه، والسياسيون عاجزون عن إيجاد حل... رغم ذلك، يتابع الجيش المتشبث بالدستور والشرعية، تنفيذ المهام العسكرية في الجنوب، والأمنية بين الأحياء وفي الزواريب، غير عابئ بالتضحيات الغالية التي يقدمها.
2 ـــ أثبت العماد سليمان أنه ديموقراطي في بدلته العسكرية أكثر من معظم السياسيين الذين يتسابقون اليوم لاستيلاد الميليشيات ومآثرها الديموقراطية، فهو الذي حمى التظاهرات الصاخبة ولم يقمعها، رغم الأوامر الذي تلقاها، وذلك حفاظاً على ما تبقى من حرية التعبير عن الرأي، وهو الذي حفظ أمن الانتخابات وأتاح حرية الاقتراع في أسوأ الظروف وأشدها تعقيداً، وهو الذي ترفع عن الاتهامات والانتقادات غير المحقة التي استهدفت الجيش، ولم يطلب يوماً من صحافي الالتزام بقانون المطبوعات خوفاً من الاستغلال أو سوء الفهم.
وهو الذي صبر وما يزال على الدلع السياسي والترف الديموقراطي اللذين يكادان يوصلان البلاد إلى الدمار والخراب.
3 ــــ ألم يثبت الرئيس فؤاد شهاب القادم من قيادة الجيش إلى الرئاسة، أنه باني الدولة الحديثة وصانع المؤسسات المدنية والرسمية التي ما زلنا ننعم بمآثرها حتى اليوم؟ ألم يثبت هذا العسكري القادم من مرحلة «الوصاية الفرنسية» أنه الوطني واللبناني والعربي الذي عرف كيف يقي لبنان المخاطر الإقليمية وينتقل بالبلد من الحرب الأهلية إلى السلم الأهلي والاستقرار والازدهار؟ ألم يعلن هذا الرئيس العسكري عزوفه عن الكرسي يوم هبّ السياسيون والنواب يطالبونه بالتمديد في سدة الرئاسة؟ ألم يترك هذه الدنيا وهو ممدد على سريره العسكري الحديدي، وليس في جيبه أو في حسابه مال أو ممتلكات؟
أمّا السبب الثالث والأهم حسب ما تقول، فهو خشيتك من أن تعيد رئاسة العماد سليمان «نبش المومياءات من القبور والبيوتات» من الذين سارعوا ورفعوا الصور واللافتات، ومن حاملي الشيكات...».
يا سيدي العزيز
هل تعلم أن من سارع لرفع صور العماد سليمان فور التوافق عليه كمرشح للرئاسة هم أولاً: أولئك الجنوبيون في النبطية وصور وبنت جبيل ومرجعيون، الذين وقف العماد سليمان إلى جانبهم وجانب مقاومتهم في تصديهم للعدو الإسرائيلي، وبات الليالي في خيمة منصوبة على سفوح تراب الجنوب بين أهله ومواطنيه. وهم ثانياً أولئك الناس الذين وصلوا إلى حافة اليأس من رادءة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، في بيروت وطرابلس وصيدا وزحلة وجونية وجبيل وعمشيت وعكار وبعلبك والهرمل. فهل جميع هؤلاء هم من تقصدهم بقولك بالمتحمسين والمطبّلين والمزمّرين، ورغم ذلك، هل تعلم يا سيدي العزيز أنه بعد اللغط الإعلامي الذي أثير بشأن تلك الظاهرة، بادر العماد سليمان شخصياً الطلب بإزالة الصور واليافطات؟
أمّا الحديث عن أصحاب دفاتر الشيكات، فإنني أطمئنك، بحكم معرفتي الوثيقة بالعماد سليمان، أنه ليس صاحب دفاتر شيكات، وليس صاحباً لأصحاب دفاتر الشيكات، وهو المعروف عنه منذ كان ملازماً ولحين توليه القيادة وممارسته لها، أنه الضابط الأمني والنزيه والآدمي والخلوق، وهذه الصفات وحدها كانت كافية لابتعاد أصحاب الشيكات عنه في قيادة الجيش، وهي ذاتها ستكون كافية لابتعادهم عنه من سدة الرئاسة».
* عميد متقاعد