صباح علي الشاهروإذا ما قام البعض بسرقة البترول عن طريق ثقب الأنابيب في هذا المكان أو ذاك، فهذا يجري ما لم يكن بموافقة المحتلّ، فبغضّ الطرف ولمآرب بدت واضحة لمن يتمعّن بالتفاصيل. ليس بإمكان مجلس محافظة البصرة ولا المحافظ التدخّل في أمور النفط، لا إنتاجاً ولا تكريراً ولا تصديراً، وهذا أمر بديهي. إذن قضية الصراع على الثروة النفطية والتحكّم فيها ليست سبباً من الأسباب الحقيقية للخلاف، وما هي في حقيقة الأمر سوى ذريعة تُستَغَلّ في مجرى الصراع مع معرفة الطرفين الأكيدة بأنّها ليست، وعلى أي نحو سبباً ولا هدفاً ولا غاية، وما يُقال في هذا الخصوص إنما هو حرث في غير أرض الصراع الحقيقية، حرث في بحر، ومضيعة لجهد الباحثين والمتابعين.
ويقول بعض آخر إنّ الصراع يجري من أجل الهيمنة والسيطرة على المنافذ الحدودية التي يتمّ عبرها التهريب، تهريب كلّ شيء، من المخدّرات إلى الأموال إلى الأسلحة، إلى المتاجرة بالبشر وبالأعضاء البشرية. لكن أهل البصرة يعرفون قبل غيرهم من هم الذين يتحكّمون في هذه المنافذ، ومن هي العائلات التي استأثرت واحتكرت الموانئ غير الشرعيّة، مثلما يعرفون درجة قربها من أحزاب السلطة قاطبة، وبالأخص المجلس الإسلامي وحزب الدعوة.
إن هؤلاء الذين أصبحوا مافيات أخطبوطية، يشترون الحماية بملايين الدولارات من جانب القوى المتنفّذة، والبصريّون يعرفون على من يُحسَب هؤلاء، ومن هم حُماتهم. إنّهم أبعد ما يكونون عن التيار الصدري بل هم في صراع معه لأنه يحدّ من نشاطهم، وربما يجري بسيطرته على المحافظة القضاء تماماً على نفوذهم وهيمنتهم. وتلك المافيات لا تتمتّع بحماية من متنفّذين داخليّين فقط وإنما بحماية من متنفّذين من خارج الحدود، شرقاً وجنوباً وغرباً (إيران والكويت والسعودية).
ويقولون استشرت في البصرة عمليات الاغتيال والقتل. لا يجادل أحد في حدوث مثل هذه الأعمال البشعة في البصرة، ولكن من وراء هذه العمليات الإجرامية؟ لماذا مثلاً يغتال ابن البصرة، الكفاءات في مدينته؟
كيف لا يسأل أحد نفسه لماذا يقتل الطالب أستاذه، والمواطن طبيبه، أو من يقدم إليه العون والمساعدة؟ البصريون يقولون إن وراء هذه الأعمال أياد إجرامية، ويشيرون بأصابع الاتهام إلى المحتل وأعوانه، ويرون أن وراء هذه الأعمال أجندة تسعى إلى تفريغ البصرة من كوادرها العلمية والمعرفية والعسكرية والقانونية، وأنّ لا علاقة للأحزاب، كلّ الأحزاب، بهذه الأعمال. وهم يعزلون هذه الظاهرة عن ضحايا الصراع والتناحر الحزبي وهم كثر أيضاً. ثم إنّ مسألة القتل والاغتيال مسألة أمنية تعالج أمنياً ثم قضائياً، وهذا يحتاج إلى جهد استخباري لا إلى الطائرات والقاذفات المخصّصة للحروب بين الجيوش، ولا إلى قصف مساكن الناس الآمنين. لا يمكن حكومة مهما بلغت من الغباء والجهل أن تداهم مدينة بخمسين ألف عسكري مع الطائرات لإلقاء القبض على مئة أو مئتين من الخارجين على القانون، ولا يمكن حكومة تدّعي أنها تهتمّ بمصائر أبناء الشعب وتحرص على أمنهم أن تسمح للطائرات الأجنبية بقصف مواطنيها الآمنين كما حدث في قصف حي الحيانية الذي سقط فيه 60 شهيداً.
إن هذا العمل مُدان ومُجرّم عالمياً حتى أثناء الحروب بين الدول، فالمناطق السكنية محميّة بنصوص قوانين الحرب. أي عار إضافي جلبته لنفسها حكومة المنطقة الخضراء!
كلّ ما زعمته وادّعته الحكومة محض افتراء وأكاذيب. إنّ الهدف مما سمي «صولة الفرسان» شيء آخر غير ذاك المُعلن، هدف لم يستطع رئيس الوزراء ومستشاروه والناطق باسمه التغطية عليه. سؤال يطرح نفسه: إذا كان كل هؤلاء في بغداد ومدن الوسط والجنوب، وفي البصرة الصامدة، إذا كان كل هؤلاء خارجين عن القانون يا سيادة القائد العام للقوات المسلّحة، فمن هم الذين داخل القانون؟ هل هم الذين يقبعون داخل المنطقة الخضراء يلفهم الدخان الأسود، وتداهمهم الحرائق بين الفينة والأخرى؟
معركة البصرة ستكون منعطفاً حاسماً، إنها بروفة تسبق اندلاع معارك الحسم والفصل، وستنطلق الشرارة هذه المرّة من الجنوب، ومنها سيندلع اللهب!
* كاتب وصحافي عراقي