تكريس للهواية العربيّة في تبرير التخلّف: أين مسؤوليّاتنا؟
عامر ملاعب
«الكتاب يُقرأ من عنوانه». هكذا يمكن تلخيص مضمون كتاب يشرح ويحلّل مواقف الدول الكبرى من الوحدة العربية ويستطلع موقف فرنسا من الوحدة العربية. وهل ذلك بحاجة إلى سؤال؟ ما هو موقف تلك الدول من أي عملية وحدة ولو جزئية، فكيف بها أن تكون على مستوى مجموعة كما دول وأقطار العالم العربي.
يتناول المضمون بإسهاب، مواقف وآراء وأحداث جرت خلال العقود الخمسة الماضية ويدخل إلى تفاصيل دقيقة تشرح مثابرة فرنسا في منهجة عملية على تفكيك العالم العربي ومنع أي صيغة وحدوية وبكل الأشكال السياسية والاقتصادية والثقافية والحضارية. والأمثلة متعددة من مسألة الأكراد في مشرق العالم العربي، حيث غذّت النزعة الاستقلالية لديهم من خلال تغذية الروح القومية، وكذلك حدث مع الحالة الأمازيغية في المغرب العربي، حين عملت سلطات الاحتلال الفرنسي على إحياء وإنعاش اللغة الأمازيغية، وفي أماكن أخرى، عملت على إحياء الطائفية كما في لبنان أو القبلية كما في دول الخليج وغيرها أو الجهوية (تجمع دول المغرب العربي، مجلس التعاون الخليجي...) والتقسيمات الجغرافية المصطنعة (مشاكل الحدود بين الدول العربية.....)، إضافةً إلى كل ذلك، عزّز الاستعمار الروح القطرية وعمل على بناء علاقات ثنائية معها وتحولت دول الرعاية الاستعمارية إلى محور العلاقات بين الأشقاء، وعملت على بناء مؤسسات رديفة لكل ما هو ضمن الأطر العربية تحت مسمّيات مختلفة، منها مثلاً منظمة الدول الفرنكوفونية أو تجمّعات دول الحوض المتوسّطي وإلحاق هذه الأقطار ثنائياً بدول المركز.
تستند وثائق ومحاور الكتاب ـــ الدراسة إلى نتائج الحرب العالمية الثانية وما تركته على أرض الواقع من «ستاتيكو» فرضته نتائج الحرب ويقررها دائماً المنتصر، حين خرجت فرنسا من الحرب منهكة سارعت إلى بناء استراتيجية جديدة عبر الخروج من بعض المستعمرات بالطرق التقليدية ودخولها بأساليب مبتكرة، حين زرعت في داخل هذه الكيانات بذور التفكّك والانفجار من داخلها.
على صعيد العالم العربي، يُبرز الكتاب شعوراً بالهزيمة لدى المواطن والنخبة، ويؤكّد نجاح المؤامرة في تفسيخ حال الأمّة وشرذمتها إلى قطع مفكّكة ومنهكة سياسياً وثقافياً واقتصادياً ومعنوياً وحضارياً. ولقد سلّط المؤلف الضوء على مواقف وسياسات فرنسا المناهضة للوحدة العربية والتضامن العربي، فرصد بوضوح، مساعي السياسة الفرنسية الرامية إلى تفكيك النظام الإقليمي العربي بمختلف الأساليب؛ حيث كانت ترى في كلّ مشروع للاتحاد العربي، بدءاً بجامعة الدول العربية، خطراً على مصالحها ونفوذها.
وفي مدخل شمولي، وفصول أربعة متخصّصة، عالج الكاتب الدكتور «علي محافظة» أثر الحرب العالمية الثانية في موقف فرنسا من الوحدة العربية، والدور الفرنسي في مشاريع الأحلاف العسكرية الغربية، وأثر ذلك في موقفها من الوحدة العربية، إن في المشرق العربي أو في المغرب، وموقفها من مشاريع الوحدة العربية عموماً.
الاستنتاج الحقيقي من الكتاب يُلَخَّص بعبارة «في كل أزمات العرب فتّش عن فرنسا ودول الاستعمار»، وهذا بالطبع يحمل معظم الحقيقة لا كلها. فيمكننا أن نبرّر ما يتعرض له العرب من الاستعمار، ولكن ما رأى الكتاب أنّه أمر ثانوي، وهو دور المجتمع العربي نفسه، فليس فعلاً بالثانوي بأي شكل من الأشكال. بكل أسف، النخب العربية لم تتمكّن من بناء البدائل وتطوير واقع المجتمع العربي في اتجاه بناء مجتمع قطري متماسك للخروج منه إلى رحاب عالم عربي أوسع حتى وإن كانت الانطلاقة تحت عناوين المصالح المشتركة من قبيل السوق العربية المشتركة. لذلك حتى نتمكّن من مواجهة الاستعمار الخارجي علينا أن نواجه «الاستعمار» الداخلي في الأنظمة المهترئة والفساد والإقطاع السياسي والتسلط والديكتاتوريات، أي بالمختصر تحرير الإنسان بالتزامن مع الأوطان.


العنوان الأصلي
فرنسـا والوحـدة العـربية
1945 – 2000
الكاتب
علي محافظة
الناشر
مركز دراسات الوحدة العربية