إحسان الجملدائماً يتعرّض الفلسطيني في لبنان لحملة إعلامية تغذّي الشحن العنصري ضد وجوده، سواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد. ففي نهاية المطاف، إنّ ما يحصل هو استحضار للعامل الفلسطيني في لبنان على أنه عامل اضطراب لا استقرار.الفلسطيني الذي اعتذر عن بعض التصرّفات في لبنان، عبر «إعلان فلسطين في لبنان»، هذا الإعلان الذي قوبل بإيجابية موثّقة في وثيقة فريق 14 آذار، وقوبلت الإيجابية بعلامات استفهام ومعارضة من قوى المعارضة، وتباين فلسطيني، بين من رأى ذلك زجّاً للعامل الفلسطيني في الصراع الداخلي، ومن رآه قراءة إيجابية يُبنى عليها مستقبلاً.

لا يمكن إغفال بعض الدلالات للزجّ بالفلسطيني، في محاولة لتصدير أزمة داخلية. فقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، المحسوب على قوى الموالاة، رغم ضخامة الملف اللبناني الشائك في أكثر من قضية، لم يجد ما يعلنه سوى أن الولايات المتحدة أعطته ضمانات بعدم توطين الفلسطينيين في لبنان، دون أن يحدد الخطوة الموازية للرفض، التي هي من البديهيات، حق العودة، الذي أصبح جزاً من أدبيات الخطاب السياسي اللبناني.
على المقلب الآخر، يطل علينا بعض نواب كتلة «الإصلاح والتغيير» المعارضة، وهم يحملون لافتات في منطقة جبيل كُتب عليها: «لكم بلادكم ولنا بلادنا»، و«لبنان للبنانيين فقط»، وكأنّ الفلسطيني ضدّ هذا الكلام، أو أنّه يرضى أن يكون له وطن غير فلسطين.
هذا الكلام بُرر بأنه اكتُشف أن هناك أردنيين من أصل فلسطيني اشتروا أراضي، وأنّ هذا الشراء هو تمهيد للتوطين، مع تحميل المسؤولية لحكومات تعاقب الحريري، الذي حمّل لبنان أكثر من 50 مليار دولار من الديون، على رئاستها.
الفلسطيني الذي تتمسّك مؤسساته الشرعية بالقرارات الدولية وحق العودة، ينأى بنفسه عن التجاذبات الداخلية، ولا يقوم بخطوات تمثل رداً، حتى لا يفسح في المجال أمام سجال في غير محله، ويعمل على عدم زجّ نفسه في صراع لا يريده، ويحافظ على حياده الإيجابي.
من نافلة القول إنّه في لبنان لجنة «حوار فلسطيني لبناني»، زارت المخيمات الفلسطينية، وفوجئت بالأوضاع المأساوية التي تعيشها المخيمات وأهلها، وأقرّت بوجوب المعالجة السريعة في إطار منح الفلسطيني الحقوق المدنية والاجتماعية. لكن الحوادث التي أعقبت حرب تموز والانقسام اللبناني، وما جرى في مخيم نهر البارد، أدت إلى تأجيل الموضوع إلى حين استقرار الوضع.
يجب أن تدرك الأطراف اللبنانية أنّ الفلسطيني يسابقها في رفض التوطين، باعتباره مقتلاً لقضية حق العودة، وعليها أن تؤازره إلى حين ذلك، وأن تتعاطى مع حياده الإيجابي بروح المسؤولية العالية، التي تعود بالفائدة على الشعبين، لا أن تعمل على تعبئة الشارع اللبناني بالتحريض على الفلسطيني من خلال فزاعة التوطين، التي تطلقها أصوات النشاز، ولا أن تحرّض الفلسطيني على اللبناني من خلال إجراءات الحرمان من أبسط حقوق الإنسان، ومنها مواد الإعمار. واليوم أضيفت إلى الممنوعات قائمة جديدة، بدأت ملامحها بمسلتزمات الحياة من أثاث وأدوات منزلية. فهل يُرفض التوطين بحرمان الفلسطيني؟