ريمون هنّودلقد بات لسان حال أمير الطائفة فاقداً حياءه مخاطباً المواطن قائلاً له: أنا هو إلهك لا إله لك غيري، أكرم طائفتك ومذهبك وعشيرتك وقبيلتك، ثم يردف سائلاً إيّاه: كيفك أنت؟ يا أخي، يا زلمي، شو بدك بالوطن والأمة والعدالة الاجتماعية والعلمنة، انتبه على طايفتك ومذهبك، هودي رسمالك، وميراثك، وإلا لن ترث ملكوت السموات وجنان الخلد.
أمّا المواطن، فيقع في مستنقع الخداع الإغرائي الإغوائي، مجيباً إيّاه «شبيك لبيك، عبدك بين إيديك، أطلب وتمنّى، من لبن العصفور إلى سابع وثامن وتاسع المستحيلات حتى انتهاء الأزمنة والعصور. ولد ولدنا يقدم المستحيلات إلى ولد ولدك ومن خلّف ما مات. يا أمير يا كبير يا معين الناضج والمقمّط بالسرير. نطيعك ونقدّم لك التحية مش بس بالعربي، بالكرشوني وبالسرياني، لعيونك يا حبيب الروح.
لقد باتت أدمغة وأفئدة أمراء الطوائف في بلادنا ترشح زيوتاً ساخنة مفعمة بالقداسة، يفوح منها أريج العفّة. وفي كل صباح من يوم جديد يرتشف المواطن فنجاناً من الزيت النقي الطاهر «على الريق» فيغدو مباشرة معلّماً في فنون أكل البيضة وتقشيرتها. فبعد ارتشافه الزيت «العفيف» ومضغه البيضة «الإكسترا بالتقشيرة»، يصارع الحيط، والويل ثم الويل للأبرياء القاطنين خلف الحيط من غضب وحوش المصارعة الجدد «البراعم السابقون قبل يفاعهم» الذين خيّل إليهم أنهم رضعوا حليب السباع، ولكن وا حسرتاه، فالمأساة تجلّت في حيازتهم دكتوراه في علم التعنّت والتصخر والانعتاق.
فالحليب الذي رضعوه لم يكن من السباع، بل كان من ينابيع الاحتقار والاحتكار السائدين في جمهورية ديكتاتوريات الطوائف. وكل طائفة طافت فيروساتها المذهبية، وعامت في بحر الفئوية النتن الموبوء بداء الزبائنية السرطاني وتمارضت طوعياً بالإحباط والغبن والإجحاف والتهميش، وقامت القيامة في الأزقة والزواريب وبات لكل حارة نواطيرها مخافة أن تفنى العناقيد.
ما زلت أراك جنّة يا وطني، على الرغم من استشراء آفة البطالة والهجرة التهجيرية. وعلى ما يبدو، فمؤامرة المواظبة على حرماننا من جنّتنا مستمرة، ويا خوفي أن تفلح ويمسي الوطن جنّة من دون ناس، وما أخطأ المثل عندما قال: الجنّة بلا ناس ما بتنداس.