معن بشور *انعقد أخيراً في الكويت مؤتمران، أحدهما للعراق، وضمّ كل دول الجوار العراقي بما فيها سوريا وإيران، والثاني عن لبنان، وقد استبعدت منه الدولة الوحيدة المجاورة له (هذا إذا استثنينا الكيان الصهيوني). والتفسير الذي يتبادر إلى الأذهان فوراً بشأن هذه المفارقة، هو أنّ واشنطن تريد في العراق حلاً لمأزقها المتفاقم، فيما ما زالت تريد أزمة في لبنان، وبالتحديد تريد تفاقماً في هذه الأزمة، وخصوصاً في ظلّ تصريحات وجولات معروفة لرئيس الدبلوماسية الأميركية وللمبعوثين الأميركيّين إلى لبنان والمنطقة.
وأيّاً يكن تقييم اجتماع «أصدقاء لبنان»، فمن الواضح أنّ واشنطن قد فرضت على حضوره العربي والأوروبي، رغم الغياب الروسي، تفسيراً محدّداً للمبادرة العربية ينسف «الطابق اللبناني» وربما «الطابق الإقليمي» لما سمّاه مرّة الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى «بطوابق الحلّ اللبناني»، رغم أنّ الرأي العام العربي يحتاج إلى تفسير مقنع من موسى لحضوره ذلك الاجتماع في ظلّ استبعاد بلد عربي، هو رئيس القمة العربية الحالية، وهو بلد معني مباشرة بالوضع اللبناني، بشهادة خصوم سوريا أنفسهم الذين يحمّلونها، بغير حقّ، مسؤولية «العرقلة» في لبنان.
ومن الواضح أيضاً أنّ واشنطن ومعها حلفاء لها في المنطقة لا يريدون فقط تعطيل الحلول في لبنان، أو تأجيلها، بل إنهم يريدون نوعاً من «الثأر» من قمة دمشق التي انعقدت رغم «الحرب» الأميركية لمنع انعقادها، كما يريدون إشعار بعض الأطراف اللبنانية المراهنة على تحرك أميركي ملموس لدعمها، وخصوصاً أنّ بعض هذه الأطراف بدأ يشعر أنّ دعم واشنطن ما زال محصوراً في إصدار لوائح منع سفر أو حجز أرصدة لشخصيات لبنانية معارضة، أو في استعراضات حربية بحرية قبالة السواحل اللبنانية، أو في تحرّكات دبلوماسيّة «لا تسمن ولا تغني من جوع»، بل بات هؤلاء يدركون أنّ أكثر ما يمكن أن تفعله واشنطن في لبنان قد فعلته بالفعل في حرب تموز 2006، وقد جاءت نتائجها مخيّبة للآمال.
يبقى هناك تفسير آخر يكمن وراء هذه المفارقة بين قبول وزيرة الخارجية الأميركية السيدة كوندليزا رايس بالاجتماع مع وزير خارجية سوريا السيد وليد المعلم، ووزير خارجية إيران السيد منوشهر متكي لأمور تتعلّق بالعراق، ورفضها الاجتماع بهما من أجل لبنان، وهو أنّ هناك نيّة أميركيّة غربية بتدويل الأزمة اللبنانية على حساب أيّ حلّ لبناني أو عربي لهذه الأزمة.
وما يعزّز هذا التفسير هو قائمة القرارات الدولية التي جرى التذكير بها في بيان «أصدقاء لبنان» في الكويت، وطبيعة التقارير الدولية المنحازة التي تقدّم دورياً إلى مجلس الأمن بشأن لبنان، وزلّات اللسان التي يقع بها بين الحين والآخر مسؤولون فرنسيون وأميركيون وبعض الحلفاء العرب عن «المحكمة الدولية» تسريعاً وتمويلاً بهدف الضغط على دمشق. وكلّنا يتذكّر في هذا المجال، كيف قدّمت واشنطن وباريس وتل أبيب خلال مناقشات مجلس الأمن إبّان عدوان تموز 2006 مشروعاً يقضي بتوسيع مهام «اليونيفيل» في جنوب لبنان، وتغيير اسمها إلى قوّات متعدّدة الجنسية، وهو المشروع الذي سقط في الميدان اللبناني قبل أن يسقط في الكواليس الدولية.
ولكن واشنطن تدرك، كما أدركت سابقاً، أنّ التدويل في لبنان، كما في غيره، هو مشكلة جديدة وليس حلّاً، وأنّه مرتبط تاريخياً بإشعال الفتن، حيث الفتنة تصاحب التدويل، هي تبرّره وهو يديمها، ولا حاجة للتذكير مجدّداً بأنّ الحشد الدولي الذي نجحت في تعبئته واشنطن في حربها على العراق، وكلّ القرارات التي استصدرها البيت الأبيض من مجلس الأمن لتغطية الاحتلال في العراق وتغيير مسمّياته من «احتلال إلى سيادة»، ومن قوات احتلال إلى قوات متعدّدة الجنسية، لم تزد الأمور إلّا تعقيداً.
ولعلّها من المفارقات اللافتة أيضاً في اجتماع الكويت «لأصدقاء لبنان» غياب أي إشارة للانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا، ولو بتسليمها للأمم المتحدة، كما للإفراج عن الأسرى والمعتقلين (ولبنان يعيش الذكرى الثلاثين لأسر المناضل سمير القنطار)، ولوقف الانتهاكات الصهيونية للسيادة اللبنانية جوّاً وبحراً وبرّاً.
وهل من دعم حقيقي للبنان أفضل من دعمه بوجه الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، فمن حقّنا أن نفترض أنّ كلّ دعم آخر هدفه مساعدة المحتلّ على التخلّص من مقاومة باسلة تزعجه وتحرجه، ومن صيغة لبنانية تمثّل النقيض الملموس للصيغة العنصرية التي يقوم عليها الكيان الصهيوني.
في ضوء كلّ هذا، ألا يحقّ لنا أن نتطلع إلى بروز إرادة لبنانيّة استقلاليّة فاعلة تخرجنا من منطق استقواء البعض بالخارج والمراهنة على تدخّله (وقد بات متعدّد الجنسيات تحت شعار منع التدخّل)، وهو منطق أثبتت الأيام عدم جدواه حتى لا نقول لا وطنيّته.
أمام مؤتمرات دول الجوار، المكتملة أو الناقصة، ليس من ردّ سوى الحوار والتسوية بين الشركاء داخل الوطن، وهو المقاومة والنضال ضدّ العدوّ المحتل.
* كاتب وسياسي لبناني