أسعد أبو خليل *‏وأخيراً وصلت المدمّرة كول، وكم طال انتظارها. التهبت الأفئدة لرؤيتها، وإن ليس بالعين ‏المجردة ـ ليس بعد على الأقل. البطريرك الماروني نفى وجود ما لا تراه العين المجرّدة. قد ‏تُكتب في «الكول» أغانٍ كما كُتبت أغنية «عالروزانا» لسفينة سبقتها. وقد تُعقد حلقات الدبكة من جانب ‏تيّار المستقبل وحلفائه احتفاءًً بقدومها إلى الشاطئ الملوّث. هي هناك، وراء الأفق، وتستطيع أن ‏تهرع إلى الشواطئ اللبنانية متى أراد السنيورة، وخصوصاً إذا اشتد الخناق ورفّ له جفن ـ ‏لعيونك يا سنيورة. ‏
وليس هذا الوصول العرمرمي الحافل بجديدٍ في التاريخ اللبناني المعاصر، لكنّ جديداً صاحب هذا ‏الوصول الذي اتسم بخداع وكذب ومراوغة ودعاية سياسية فجّة من جانب رئيس الحكومة المتمسّك ‏بأوصال المذهبيّة الحادّة، وبطاعة مطلقة لمليكه السعودي (كما أن نيبه برّي أنقذ السنيورة هذا (كما ‏أنقذته مذهبية الزرقاوي) خلال حرب تموز عندما تمنّع عن انتقاده، ثمّ عاد وأسبغ عليه صفة «‏‏المقاومة» لإهراقه دموعاً مدرارة). الاستعانة بالأساطيل الأميركية جزء لا يتجزأ من سيرة مسخ ‏الوطن هذا. ونستطيع أن نلاحظ بعملية حسابية بسيطة، بإمكان حتى سعد الحريري أن يفقهها، أن ‏الأساطيل الأميركية تأتي إلى لبنان مرة كل عشرين سنة، أي إننا على موعد آخر معها في عام ‏‏2028 تقريباً. لكن، على الأقل، فإن كميل شمعون وبيار الجميل استعانا جهارةً بالأساطيل ‏الأميركية لنجدتهما على أعدائهما، ولم ينفيا استقواءهما بالقوة العسكرية الأميركية. هما صدحا ‏بطلب النجدة واستفاضا في الحديث عن مؤامرات خطيرة كانت تُحاك ضدهما، من الاتحاد ‏السوفياتي إلى النظام المصري إلى النظام السوري إلى آخر ما تفتقت عنه مخيّلتاهما من مؤامرات ‏حقيقية ومزعومة.‏
براءة السنيورة
السنيورة، كما يقول المثل الإنكليزي ـ وكم يجهد السنيورة هذا في تقليد مضحك للكنة البريطانية ‏في أحاديثه بالإنكليزية ـ يريد أن يحتفظ بالكعكة وأن يأكلَها في آن. هذا المتدثر بادّعاء تاريخ ‏قومي عربي لم يتعدَّ المشاركة بأكثر من تظاهرة أو تظاهرتيْن، بالغَ باصطناع البراءة. حاول أن ‏يظهر كمحمد دحلان عندما تسرّبت الخطة الأميركية للحرب الأهلية الفلسطينية إلى صحيفة المجد ‏الأردنية. السنيورة والدحلان بريئان من تهم تلقّي الدعم الأميركي (بشتى أشكاله) لتنصيبهما ضد ‏أعدائهما. كم استغبى السنيورة الشعب اللبناني عندما زعم أنه استدعى القائمة بالأعمال الأميركية ‏ليستفسر منها عن وصول المدمرة كول ـ أي إنه علم بوصولها للتوّ. وبدا حريصاً على أن يظهر ‏واجماً على شاشةالتلفزيون وهو يجالس الدبلوماسية الأميركية. لعلّه قهقه معها بمجرّد خروج ‏الإعلاميين من القاعة، ولعله ضرب كفه بكفها للإخراج المتقن لوجه الوجوم. أرادنا أن نصدق أنه ‏لم يعلم بوصول المدمرة إلّا من وسائل الإعلام، وبالصدفة هكذا. أُُخذ السنيورة على حين غرّة. ‏ولم يُكذّب السنيورة بعد ساعات إلا الناطق باسم مجلس الأمن القومي عندما أكّد بديهيّات: إن ‏الحكومة الأميركية تنسّق كل خطواتها مع وكلائها الصغار في لبنان، وفي غير لبنان. والسنيورة ‏للحكومة الأميركية مثل عقل هاشم لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أي إن التنسيق معه كما شرح ‏الناطق باسم مجلس الأمن القومي، جارٍ على قدم وساق وحول مختلف الشؤون والشجون. ورايس ‏في جوابها عن وجود المدمرة قبالة الشواطئ اللبنانية دعت إلى تتويج السنيورة ملكاً مطلقاً على ‏لبنان تقديراً لخدماته أثناء عدوان إسرائيل على لبنان.‏
ويجب في هذا الصدد قراءة المقالة الطويلة التي نُشرت في مجلة «فانيتي فير» الأميركية عن خطة ‏الإدارة الأميركية لإشعال الحرب الأهلية الفلسطينية اعتماداً على محمد دحلان وعصاباته (التي ‏اعتمدت على وثائق رسمية تسرّبت للمجلة المذكورة). فيها يثبت الضلوع الأميركي المباشر ‏‏(بالتعاون مع الحكومات العربية المتعاونة التي، على نسق تمويل الكونترا في نيكاراغوا في حقبة ‏ريغان، تتبرّع بتقديم الدعم المالي إلى ميليشيا عصابات دحلان، أو غيرها من العصابات التي تقوم ‏بمهمات موكولة من الإدارة الاميركية، عندما يتمنّع الكونغرس الأميركي عن رصد الأموال ‏الضرورية) في مجريات الأوضاع في الدول العربية، وخصوصاً في فلسطين ولبنان والعراق. وقد ‏بيّنت الوثائق المنشورة إصرار الحكومة الأميركية على إشعال فتيل الحرب الأهلية الفلسطينية ‏رغبة في تنصيب أوحد للدحلان، وساعدت مصر والأردن وإسرائيل بالتسليح والتدريب كما ‏تبرّعت حكومة الإمارات بالمال ـ وكان دحلان يطالب بالمزيد منه كما اعترف هو في المجلة. ‏والتسليح والتدريب الأردني ليس جديداً، فهو عريق في تاريخ حروب أميركا في الشرق الأوسط. ‏وقد ساعد الملك حسين عصابات منظمة نمور الأحرار في لبنان على الاستعداد للحرب الأهلية، ثم ‏عاد وساعد رفيق الحريري على إعداد فرق «للحراسة» ـ وللحراسة فقط.‏
لكن حكومة السنيورة وقعت في إحراج غير متوقع. فالسفير جيفري فيلتمان، أو «جيف» كما يسميه ‏وليد جنبلاط ومروان حماده، قال لجريدة «الحياة» قبل أسابيع فقط إنه ليس للحكومة الأميركية ‏برنامج محدّد في لبنان، وإن جلّ ما تفعله هناك هو الاستجابة الكاملة لمطالب فريق الأكثرية. هي ‏تطلب وأميركا تنفّذ، هو قال. وعاد فارس خشان، ليجزم من على شاشة «ال.بي.سي» بأن الإدارة ‏الأميركية «البريئة» لا تفعل إلا ما تطلبه منها الأكثرية الحريرية، وعاد وأكد الشيء نفسه بعد ‏زيارة له إلى اميركا عاد فيها بتخويف سوريا من على منبره نفسه في «المستقبل» الذي كان يكيل ‏فيه المديح لحكمة بشار الأسد ورستم غزالة. وهل هذا الإقرار إلا بما هو جليّ؟ طبعاً، ليس ‏صحيحاً أن أميركا تنتظر موافقة ميشال معوض، أو الماما معوض التي تحبه كثيراً، قبل أن تتخذ ‏ما تراه ملائماً أو قبل أن ترسل فرقاطاتها إلى المياه المتوسطية. لكن أميركا تستشير وتنسّق مع ‏عربها، الوكلاء التابعين لها، كما كانت إسرائيل تنسّق مع عصابات بشير الجميل وتوابعه عندما ‏كانت تجتاح لبنان، وكانت صولانج الجميل تنهمك آنذاك بإعداد تلك الأطعمة التي كان شارون ‏يستسيغها (وأسهم حزب الله لأسباب يعلمها هو ولا نعلمها نحن في وصول صولانج إلى مجلس ‏النواب اللبناني). ونذكر أن البيت الأبيض أصدر تهديداً إلى معارضي السنيورة أثناء زيارة من ‏زيارات جنبلاط الاعتذارية إلى واشنطن. لم ينتظروا حتى رجوعه الميمون. لكن كل قرارات ‏أميركا في المنطقة تُنسق مع أمثال السنيورة وأبو مازن والمالكي (لماذا لا يرد اسم المالكي في ‏بيانات حزب الله كواحد من أدوات الاحتلال الأميركي؟ وهل هذا الغياب النافر في إعلامه إلا ‏تثبيت لأمرين: التآزر الطائفي المنكر والارتباط بمصالح النظام الإيراني الذي يحمي بالتنسيق مع ‏النظام السعودي الاحتلال الأميركي في العراق تخفيفاً من الغضبة الأميركية؟ ولم تكن زيارة ‏أحمدي نجاد إلى العراق إلا تثبيتاً للتفاهم الخبيث بين إيران والسعودية لمساعدة الاحتلال ‏الأميركي).‏
تناغم وتنسيق
وخطاب وكلاء المخطط الأميركي هو نفسه في رام الله وفي بيروت. فكما تصرّ عصابات ‏الدحلان، هذا الذي بزّ حتى سعد حداد في ارتهانه للاحتلال الإسرائيلي، على تحميل صواريخ ‏حماس الرمزية مسؤولية طقوس القتل الإسرائيلي اليومي في غزة، أصرّ بيان 14 آذار (ولجنة ‏متابعته تضم ثلة من عظام لبنان، من وائل أبو فاعور الذي يلاحق أمر تملك الضيوف الشيعة ‏للأراضي في لبنان بناءً على أوامر من المعلم الأكبر، إلى ميشال معوض الذي يقود حزب الماما ‏معوض الجماهيري، إلى حزب دوري شمعون المنتشر في مختلف البقاع في لبنان خارج بلدية ‏دير القمر) على تحميل أعداء أميركا مسؤولية وصول المدمرة كول. الخطاب نفسه بات يُستعمل ‏هنا وهناك وهنالك، والتناغم في أوساط حلفاء السعودية مُلاحَظ ومريب. التنسيق جار على قدم ‏وساق وهناك دلائل على ما يسمى «نقاط الحديث» التي تأتي من مكتب إعلامي مركزي في قريطم، ‏مثلاً، وتنتشر مثل النار في الهشيم. حتى تبرئة إسرائيل في لبنان وفي رام الله يُعبّر عنها بالكلمات ‏نفسها. يقولون: طبعاً، إسرائيل هي عدو، ونتوقع السيّء منها، إلخ... لكن ماذا عن معسكر ‏الممانعة الشرير؟ ويُراد من هذا الكلام القول: لنغير الموضوع ولنتوقف عن اتهام إسرائيل لأن ‏الأولوية للوم أعداء إسرائيل وأميركا.‏
ونستطيع أحياناً التيقّن من نيّات وأهداف الفريق الحاكم عبر النظر إلى خطب موتوريهم الفاقدين ‏للقدرة على ضبط الأعصاب. المرشد الروحي السابق لخلية حمد عزا وصول المدمرة كول إلى ‏تهديدات لفظية ضد إسرائيل. هو أراد أن يتوقف أي نقد أو تهديد لإسرائيل من جانب أي عربي ‏حتى أثناء الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة. سمير جعجع عبّر عن شكره لوصول كول. ‏لبنان مدين للمدمرة الأميركية وسابقاتها من مدمرات أمعنت تدميراً في لبنان في الثمانينات. ‏نسي جعجع أن يشكر إسرائيل لاجتياحاتها كما كان يفعل في ماضٍ ليس ببعيد، وفي ماض لم ‏يتنكر له، خلافاً لمحسن إبراهيم المتنكّر لماضيه. لكن الأخير مشغول بتقديم المشورة إلى وليد ‏جنبلاط، ولنا وللبنان أن نتمتع بثمار مشورة إبراهيم لوليد جنبلاط. والأخير استغرب حالة ‏الارتباك التي أصابت الفريق الحاكم من وصول المدمّرة. نسي أن يضيف إن الارتباك لم يصب ‏جسم عصابات بشير الجميل عندما اجتاحت إسرائيل لبنان في عام 1982 (لم تُشر الصحافة ‏اللبنانية باستثناء مقالة للرفيق إبراهيم الأمين إلى ما ورد في صحيفة هآرتس عن صداقة جمعت ‏بين وليد جنبلاط ورئيس الموساد. لكن لبنان، بناءً على أوامر من يتوهّم أنه يمسك بمجد غير ‏موجود لمسخ وطن، يرفض حتى مقولة ـ حتى لا نقول جرم ـ التعاون واللقاء مع العدو، و‏خصوصاً من جانب زعماء الطوائف). ‏
وبوصول المدمّرة كول إلى «ما بعد» المياه اللبنانية، كما يصرّ السنيورة، كأن المسألة تختصر ‏بميل أو ميليْن في مياه شبه راكدة، تكتمل الصورة ويتضح ترابط الخيوط في المؤامرة الأميركية ‏ـ السعودية ـ الإسرائيلية في لبنان. ونظرية حسني البورزان (في مقالة له لم تكتمل بسبب ‏تدخلات ومقالب غوار التي لا تنتهي في برنامج «صح النوم») في العلاقات الدولية تثبت صوابيتها ‏مرة أخرى. فقرار التحذير السعودي من السفر إلى لبنان ثم قرار ترحيل الرعايا السعوديين (بعد ‏إصابة سيارة سعودية برصاص طائش) ثم وصول المدمرة كول (حاول الرجل الصادق وليد ‏جنبلاط في مقابلاته أن يقلل من أهمية وصول المدمرات الأميركية عبر القول إن هناك أساطيل ‏أخرى، بعضها «عربي» في عرض البحر... لعل الأمر التبس عليه ولعل الرؤية تشوشت مرة ‏أخرى أمام ناظريه، فظن أن زوارق الصيد العربية هي أساطيل) كلها قرارات مترابطة، ولا ‏يمكن إلا وضعها في سياقها الطبيعي منذ قرار العدوان الإسرائيلي الذي تصاحب مع بيان المصدر ‏السعودي المسؤول الذي حاول أن يغطي العدوان. ولمّا فشل في تحقيق أهدافه بعد إذلال إسرائيل، ‏سارعت أنظمة تغطية العدوان (السعودية ومصر والأردن) إلى إعلان إرسال مساعدات في ‏محاولة لتلافي الإحراج، وساعدتهم إسرائيل على ذلك إذ إنها سمحت فقط لطائراتهم بالهبوط في ‏مطار بيروت. وحزب الله يصرّ على تبرئة ليس فقط السعودية بل على تبرئة سعد الحريري من ‏المخطط الجاري. فهو يركّز في إعلامه على سمير جعجع، مع أن دور الأخير صغير وصغير جداً ‏مقارنةً بدور سعد الحريري ووليّ نعمة العائلة، كما كان رفيق الحريري يسمي الملك ‏السعودي. يريد حزب الله أن يحيّد تيار المستقبل في محاولة فاشلة لتصوير الصراع في لبنان ‏صراعاً لا أبعاد مذهبية له، مع أن الحكم السعودي (مثله مثل الزرقاوي) صريح جداً في إعلامه ‏وفي إعلام الحريري الرديف. كما أن إعلام الفتنة المذهبية ليس بجديد. فدوائر الدين في السعودية ‏دعمت ولعقود خطاب التحريض الطائفي والمذهبي المختص في هذا الشأن. إحسان ظهير، كان ‏جزءاً من جهاز الدعاية السعودي، وهو سبق الزرقاوي في هذا المجال، وكافأته العائلة المالكة في ‏نجد على خدماته.‏
تجاهل وتذاكٍ
واللافت أن أصوات أدعياء الليبرالية واليسار (الحريري) والسيادة المطلقة في 14 آذار لم ‏يلاحظوا (أو يلاحظن) وصول المدمرة كول. وإن لاحظوا، فهم صمتوا باستثناء واحد أو اثنين. ‏وكأن المدمرة كانت تعوم في مياه بحر قزوين. هكذا فجأةً، نسي دعاة السيادة السيادة ونسي أدعياء ‏العنفوان العنفوان. شعاراتهم عن تحرير لبنان من الوصايات تبخّرت فجأة بوصول المدمرة ‏الوديعة. وكأن المدمرة كول هي مثل سفينة الحب، جاءت لتعمّم ثقافة الحياة والمحبة بين الناس، ‏التي أسهم في تعميمها داعي المحبة والوئام وليد جنبلاط، وإن هدد بحرق الأخضر واليابس، ‏وإن دعا أميركا إلى إرسال سيارات مفخخة إلى دمشق (عاد وقال إنه كان يمزح ـ ظرفاء زعماء ‏لبنان). حتى ريشارد ميرفي (الدبلوماسي الأميركي السابق الذي عمل في مهمات استشارية لرفيق ‏الحريري، كما عملت زوجته في مؤسسة الحريري في واشنطن) وصف وصول المدمرة بأنّه دليل ‏على تخبّط في السياسة الأميركية، وأن وصول المدمرة هو «جزء من دبلوماسية المدافع». ونبيه ‏بري ربط بين وصول كول وبين التدمير الإسرائيلي في غزة، مع أن الرابط هو بين الوصول ‏وبين أحداث الطريق الجديدة، لا غزة. جاءت من أجل مساعدة الفريق الحاكم على تصفية حساباته ‏مع خصومه. كوندوليزا رايس قالت إن كول جاءت لمساعدة لبنان على التخلص من «التخويف»، ‏أي إنها جاءت لمساعدة شعب لبنان على النوم، والنوم سلطان. وكما تطالب أبو مازن بالحكم ‏منفرداً، دعت السنيورة إلى الحكم منفرداً، وكادت أن تدعو إلى عودة أنطوان لحد زعيماً في ‏الجنوب اللبناني.‏
لكن الإعلام السعودي والحريري الرديف يتذاكى كعادته. فهو مشغول بما هو أهم. فمحطة ‏‏»العربية» تحتفل بعيدها الخامس. ومراسل «العربية» في القاهرة جزم بأن «التصعيد» الإسرائيلي كان ‏ردّاً (فقط) على صواريخ حماس (التي قال عنها موقع إيلاف السعودي إنها «تهدد ربع مليون ‏إسرائيلي»). وأمين الجميل دُعي إلى احتفال محطة «العربية» في دبي، وقد أكد أن المحطة خدمت ‏‏«القضية العربية» ــــــ بتعريف الجميل طبعاً. وصحيفة «المستقبل» أفردت صفحة كاملة لمؤتمر ‏صحافي «هامّ» لإبراهيم شمس الدين، كما استضافت محطة «ال.بي.سي» أحمد الأسعد بعد زيارة ‏مظفرة لمنتديات صهيونية في واشنطن. لا تستطيع عائلة الحريري أن تفهم سبب رفض طائفة من ‏الطوائف في لبنان، أيّ طائفة من الطوائف، لأن تختار عائلة الحريري زعماءها كما تختار العائلة ‏‏(بإرشاد سعودي طبعاً) زعماء الطوائف الأخرى. ووليد جنبلاط يتابع المخطط الفارسي في ‏المنطقة أولاً بأول ولا وجود لمؤامرة غير تلك. وهناك يساري سابق ينفي وجود مؤامرة أميركية ‏في المنطقة لأن... جورج طرابيشي (يساري سابق آخر) ينفي وجودها. واستشهاد يساري سابق ‏بجورج طرابيشي هو بمثابة أن يستشهد إلياس زهرا بأنطوان زهرا. والبطريرك اللبناني، الذي ‏من شدة تعلقه بالسيادة اللبنانية يرفض أن تطأ قدماه أرض سوريا كما رفض أن يعود إلى لبنان ‏أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان إلا على متن طوافة عسكرية أميركية ـ من شدة تعلقه ‏بالسيادة، ينفي أن تكون المدمرة كول قد وصلت الى المياه اللبنانية. فللبطريركية المارونية مرصد ‏متطور لمتابعة حركة السفن والأساطيل في المياه اللبنانية، كما أن غواصات البحرية اللبنانية ‏قادرة على صدّ أي عدوان بحري.‏
ما علينا. فمركز الاستشراق المتطوّر في قلب العالم العربي، وهو كان رائداً نتيجة إنتاج لويس ‏شيخو وهنري لمنس، في جامعة القديس يوسف احتفل بابن القلاعي وبإنجازاته. وللأمانة، قد ‏يكون الرجل أول من امتهن (في «مديحة جبل لبنان») التحريض والكراهية الطائفية في لبنان. ‏فليغنّ شعب لبنان مع ابن القلاعي (ومع مكرّميه في جامعة القديس يوسف) الذي رغب في «تحرير» جبل لبنان: «وهرطيقي ليس يوجد فيه، ولا مسلم كان يوجد فيه. يهودي إن كان يوجد ‏فيه، قبره تكشفه الغربان». ومن يدري. فقد يُطوّب ابن القلاعي قدّيساً عما قريب. والتطويب يحتاج ‏إلى «إثبات» ثلاث معجزات. وهناك من يقول إنه كان أول من مزج البطاطا بالكزبرة. بقيت ‏معجزتان. ‏


‏* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا‏
‏(موقعه على الإنترنت: ‏angryarab.blogspot.com‏)‏