يوجب استشهاد سمير القنطار على الأرض السورية، بصفته قيادياً في حزب الله أُعلن أن مهمته تختص بتفعيل ما اصطلح عليه «جبهة الجولان»، أن تعاد القراءة الفلسطينية في النظرة إلى حزب الله والمسار الذي يتخذه، خاصة بعد ردود الفعل الفلسطينية المتعددة على اغتيال القنطار وتفاوتها ما بين التعليق الرسمي والجماهيري. كما يوجب ذلك نقاشاً محورياً حول فهمنا للحزب وتقييمنا له قبل دخوله إلى سوريا من الأساس.
قبل هذه القراءة، فإن أحد الدوافع الأساسية إليها، أن اغتيال سمير القنطار أحدث هزة كبيرة في «وعينا القديم» مع إسرائيل، فالقنطار جمع بين متناقضات كثيرة تتصارع تحت عناوينها أطراف المواجهة الحالية، منها: موقف الطائفة الدرزية من القضايا الوطنية والعمل مع إسرائيل، والتشيّع (أعلنه القنطار في الأسر ويمثل هاجساً كبيراً لدى الفلسطينيين)، وعودة القتال من أراضي الجولان (نقطة مزاودة أساسية من فصائل فلسطينية إسلامية على النظام السوري)، والحرب الدائرة في سوريا (هل لها علاقة أساسية بفلسطين وموقع سوريا من المقاومة؟)، ومشاركة حزب الله (هل هي دفاع عن بشار الأسد شخصياً أو عن الحزب أو عن مشروع المقاومة ككل؟). ومن هذه العناوين أيضاً: عمل الأسرى القدامى (غالبيتهم اعتزلوا العمل العسكري)، وشعار العروبة الذي كان يتبناه القنطار وخالف به مشروع «الإخوان المسلمين» في المنطقة، كما حارب من ضمنه المد التكفيري السلفي، بجانب موجة تساؤلات كبيرة عن الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي العربية وتقبلها بين مستويات فلسطينية عديدة، بل تأييدها لها، مقابل تلهف مناصري المقاومة في السؤال عن طبيعة الرد ووقته.
قبل ذلك، فإن هذه المقالة هي صرخة، لكنها ليست في وجه بقية من راهنّا على «عقولهم» مع أنهم قرروا الوقوف في الصف الآخر؛ وفق الزميل عامر محسن يصعب في منتصف أي معركة في أي سياق تاريخي أن نُعمل نظرية الفرز في صفوف الحلفاء والأعداء، فكما في صفنا سيئون، قد يوجد في الصف الآخر بعض «الجيدين»، ولكن هؤلاء اختاروا الوقوف ضد المقاومة ومشروعها الأساسي عن سبق إصرار، فيما اختار الوقوف بجانبنا من يعلم أنه لن يحصّل مكتسبات إقليمية مباشرة. هذه ليست ميكافيلية عمياء، بل هي «ميكافيلية محمودة» للحفاظ على من تبقى يحارب إسرائيل من بين دول الطوق (مصر والأردن وسوريا ولبنان)، كأمل أساسي في تحرير فلسطين إن تحدثنا بلغة المنطق والجغرافيا والتاريخ.
إعادة التذكير بحزب الله ودوره، في ظل استشهاد القنطار، تأتي كصرخة وإعلان موقف أمام جيل بدأت تتشكل معالم وعيه السياسية وسط هذه الفوضى، وصارت «الجزيرة» وأخواتها تصوغ جزءاً كبيراً من فهمه؛ وفي موضوع القنطار أخيراً، سعت هذه الوسائل التي يليق بها تشبيه «حمّالة الحطب»، إلى استخدام مصطلح غريب هو «ميليشيا المقاومة»، كأن القنطار كان يتزعم مجموعات قد تقاوم إسرائيل لكن يدها «مغمسة» بالدم السوري وهو ما يوجب معاداتها، كما قدمت روايتها الجاهزة والمعلبة عن «مشاركة القنطار في قتل السوريين»، وتحديداً الأطفال!
ولمن يظل يأخذ علينا كثرة مهاجمة «الجزيرة» بنسختها العربية، التي ساهمت تحديداً في تأجيج الفوضى في المنطقة التي هربت بسببها عائلة «بو عزيزي» إلى كندا، فلينظر قليلاً إلى «الجزيرة» الإنكليزية التي «تحترم» مشاهدها غير العربي، أو بالأحرى لا تجرؤ على الكذب عليه، كما تطرح تساؤلات يستحيل أن نجدها على شاشة أختها في قطر، من قبيل قضايا التطبيع مع عدونا، والتقارب السعودي - الإسرائيلي، والثورة البحرينية... وهلم جر.
في الأيام الماضية، شنت جهات فلسطينية وعربية عدة هجمة مشتركة وكبيرة على القنطار. تيار واسع من الإخوانيين والسلفيين وبعض الفتحاويين داخل الشارع الفلسطيني شرع بشتم وإدانة وجود القنطار على الأرض السورية، واتهامه بأنه كان يقتل المدنيين. أهم دليل جرى تقديمه ــ من دون الاستناد أصلاً إلى معلومة موثقة عن دور الرجل ومهماته ــ تساؤلهم، لماذا كان اغتيال الرجل في جرمانا (إحدى ضواحي دمشق)، وليس في الجولان، علماً بأن معلومات ميدانية تؤكد أنه لم يكن يتردد كثيراً إلى هناك؛ لكن مجرد طرح هذا السؤال قد يقودنا نحو السؤال أيضاً عما يفعله القيادي الفلاني في عاصمة «مشبوهة» بالنسبة إلى معيارنا الوطني، أو عما يريده من يطرقون أبواب عواصم تعلن جهاراً أن تطبع علاقاتها مع إسرائيل لحماية «أهل السنة»!
الأسوأ من ذلك أن محاولة تشويه القنطار وسيرة نضاله وثلاثين سنة من أسره في فلسطين، استدعت من بعضهم استحضار الرواية الإسرائيلية عما فعله سمير في «مراهقته»، والاستناد إلى ما سجلته «المحكمة» الإسرائيلية بأنه «هشّم» رأس طفلة بأخمص بندقيته، ولكن هذا أيضاً يضعنا ــ نحن الفلسطينيين ــ تحت مسنّ أسئلة صعبة، عن العمليات الاستشهادية تحديدًا، ولا سيما التي كانت تستهدف المطاعم الإسرائيلية ومن فيها من أطفال ونساء عن سبق رصد، وكونها عملاً مشروعاً أو مقاومة بطريقة غير صحيحة، على ما يلحق هذا الجدل من ملاحظات إنسانية وشرعية كثيرة، أي إننا قد ندين أنفسنا بطريقة ساذجة من حيث نعلم أو لا نعلم.
تشويه القنطار باستجلاب الرواية الإسرائيلية يضعنا ــ الفلسطينيين ــ تحت مسنّ أسئلة صعبة

ولهؤلاء المجانين الذين يستجلبون رواية العدو عن عملية للمقاومة من أجل دحض وطنية أحدهم، يكفي أن نلفت نظرهم ــ إن كان ثمة متسع لديهم للاستماع ــ إلى الضجيج الإسرائيلي الذي أثير عن الرواية المذكورة، وتحديداً مسؤولية الجنود الإسرائيليين عن قتل «الرهائن»، في العملية التي كان يهدف بها القنطار ومن معه إلى أسر عالم ذرة إسرائيلي وسحبه إلى لبنان، لا القتل تحديداً، ويمكنهم التوثق من ذلك عبر الترجمات التي لم تجرؤ على ادعاء أن القنطار قتل الطفلتين، وأكبر ما فعلته هو إشارتها إلى أنه كان «خائفاً» وطلب ألا يقتل، وأنهم من باب «الأخلاقية» لم يقتلوه!
أما «الصغار» الذين يسألون عن سوريا الكبيرة، فلينظروا كم استشهد من الفلسطينيين والعرب على الأرض السورية من أجل فلسطين، من قبل القنطار وبعده. حتى عملية استحضار صور للقنطار مع الرئيس بشار الأسد (بغض النظر عن توقيتها)، محاولة أقل من توصف بأنها بائسة لحبك رواية ما عما كان يفعله الرجل، المعروف بعلاقته القوية بالحكم السوري أصلاً، كما علاقة أمناء عامين لفصائل مقاومة ينتمي إليها هؤلاء ــ أو شيوخ ــ بالأسد، سابقاً أو حالياً.
في المقابل، سجلت في استشهاد القنطار مواقف مشرفة من أسرى محررين ينتمون ــ أو كانوا ينتمون ــ إلى «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«فتح»، خاصة ممن عاشروا الشهيد في السجن. كثيرون من الأسرى المحررين (أسماؤهم مدونة ومحفوظة)، حتى من الذين يمكن وصفهم بأنهم لا يتقبلون دور إيران ومن معها في المنطقة ــ على الأقل أداءها في القضية الفلسطينية ــ سجلوا بصوت عال وعلى عكس التيار، شهاداتهم للتاريخ وللناس. وأكدوا أن من يعرف سمير القنطار حق المعرفة، لا يمكن أن يتخيله غير سمير الذي كان في أسيراً لفلسطين وعلى أرضها. حتى الشيخ خضر عدنان، وآخرون ممن كانوا يتجنبون كلية الخوض في القضايا السياسية خارج الموضوع الفلسطيني وقضية الأسرى، كسروا هذا الحائط وقالوا بالفم الملآن شهاداتهم على الملأ، عن سمير ومشروع سمير.
ولعل الخلاصة التي يقدمها الزميل والكاتب حسام مطر تحسم الجدل السابق، بالقول إنه «إنْ قتل الصهاينة سمير القنطار لكونه يقاتل إلى جانب النظام السوري، فهذه ورطة سياسية لكم، وإن قتلوه لأنه يقود المقاومة الشعبية السورية في الجولان، فهذه كارثة أخلاقية لكم، فكيف إن جمعنا السببين!». لكن ما يجري أكبر من القنطار ومما كان يفعله، وصار أكبر من ضرب صورة محور المقاومة وحشره بالزاوية عند كل مفترق وفي كل رواية؛ إنما هو كما لفت الزميل معز كراجة «استهداف لجدار الوعي الأخير»، الوعي بالعدو الأساسي، إسرائيل، وبالقضية المركزية، انجراراً في تيار ومشروع من يقاتلون محور المقاومة الذين لم يسجل التاريخ أنهم يحاربون إسرائيل أو يستهدفونها، من قبل وبعد، وبالأحرى من يرون في «جبهة النصرة» و«جيش الإسلام» فصائل معتدلة، بل ينعون، بعد أيام من استشهاد القنطار، في مفارقة لافتة، القيادي الإرهابي زهران علوش، ويتحسرون على أنهم لن يلاقوه في القدس كما وعدهم، وهم أنفسهم يرون في حضور «النصرة» في الجولان ــ التي وجودها كان يعيق عمل القنطار ــ وجوداً مقبولاً ما دام أن المعركة ضد النظام السوري أوْلى من إسرائيل.
من هنا تحديداً يمكننا الانطلاق للبحث في النظرة الفلسطينية إلى حزب الله (النظرة الفصائلية وما يتبعها من نظرة شعبية داخل جمهور مأطّر ومقسم). يمكننا التدقيق في هذه النظرة قبل عام 2011، أي قبل مفترق الطرق السوري. ويمكن هنا تلمس اتجاهات أربعة:
ــ مستويات ترفض حزب الله جملة وتفصيلاً، انطلاقاً من كونه حزباً شيعياً، وكانت تمثل ذلك التيارات السلفية الجهادية والعلمية، وقطاعات واسعة من «حماس» و«حزب التحرير»، وقطاعات ضيقة من «فتح» و«الجهاد الإسلامي».
ــ مستويات تتقبل دور حزب الله تجاه فلسطين مع أخذ الحذر منه أو التعاطي بالشك، وتمثلها قطاعات كبيرة من «فتح» التي كانت تروج لنظرية أن سلاح الحزب وجيله العسكري الأول هو «ورثة فتح» في لبنان، وقطاعات متوسطة من «حماس» وضيقة من «الجهاد الإسلامي»، وبقايا الجمهور غير المنتمي سياسياً (أي ما يمكن تسميته المجتمع الفلسطيني).
ــ مستوى غريب داخل «حماس» لا يرى في حزب الله عدواً، بل ندّا في الطريق إلى فلسطين، وهو ما يمكن تلمسه بتقليد واضح للحزب على مستوى الأداء الإعلامي والفني والعسكري والشكل التنظيمي وحتى السياسي، بل بعد دخول حزب الله إلى سوريا ــ برغم كمّ التحريض الهائل ضد الحزب ــ كان عناصر من «كتائب القسام» يوزعون على بعضهم سلسلة أفلام عنوانها «لو هزم حزب الله» لمشاهدتها ولتدريسها.
ــ المستوى الأخير وفيه اندماج كامل وتمثل لمشروع حزب الله على مستويات عديدة عدا «الصبغة الشيعية»، وشمل ذلك قوى يسارية كـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«الجبهة الديموقراطية» و«كتائب شهداء الأقصى» و«لجان المقاومة الشعبية»، مع قطاعات واسعة داخل الأذرع العسكرية لـ«حماس» ولـ«الجهاد الإسلامي»، وصولاً إلى حركة «الصابرين» التي انطلقت قبل عام ونصف العام.
برغم ذلك، وبالنظر إلى مراحل تلك المستويات قبل دخول حزب الله إلى سوريا وبعد ذلك، فإنه لا يمكن القول إن النظرة الفلسطينية إلى مشروع المقاومة لدى الحزب ومعاداة إسرائيل، كانت نظرة موحدة أو تُجمع على أن الحزب ماضٍ حتى تحرير القدس، بل كان يكتنفها الشك واللمز، واليوم تعزز مستوى النظرة الطائفية (المستويان الأول والثاني). حتى إنه في أيام «العسل» لم يكن ثمة مبرر واحد لأن تستضيف قناة «الأقصى»، التابعة لـ«حماس» والمدعومة إيرانياً، شيخاً وهابياً سعودياً، ليشتم حزب الله خلال الحرب ويتركه المذيع يفعل ذلك لدقيقة كاملة من دون أن يقطعه، مع أنه ما الداعي أصلاً إلى استضافة أحد من الرياض ــ في ظل الموقف السعودي المعروف ــ آنذاك، للتعليق على حزب الله وحربه ضد إسرائيل!
في الأيام الماضية، كُتبت مجموعة منشورات ومقالات على صفحات كتاب وفي صحف عربية معروفة بانتمائها أو قربها من «الإخوان المسلمين» وتفرعاتها، منها ما حذف وأعيد نشره في مواقع بديلة، ولكنها كلها احتوت خلاصة واحدة، تقول إن المعركة الطائفية الآن وغداً أهم من المعركة مع إسرائيل، إلى درجة كتب فيها أن «حزب الله لو حرر فلسطين لن نعود إليها»! حتى لو كان هؤلاء «محقين» في موقفهم من ناحيتهم، فإنهم بحسابات السياسة والجغرافيا والديموغرافيا يدخلون معركة عبثية وخاسرة؛ على الأقل الحرب ضد إسرائيل واضحة المعالم والأهداف والنتائج، فيما يلعب بالحقيقة التاريخية من يظن أنه بصدد إبادة طائفة أو أخرى في القرن الحادي والعشرين.
هناك أمران آخران لا بد من استعراضهما في المرحلة التي تلت 2011، أولهما ما أثير بعد خطاب السيد حسن نصر الله مؤخراً، عن دمج خريطة فلسطين بعلم إيران وصورة القنطار. بكل سهولة يمكن رفض هذه اللوحة والرمزية والذهاب إلى خطابات من قبيل العروبة والأيرنة والمذهبية... يمكن أيضاً الدفاع بلا بصيرة عن هذه الرمزية. لكن يمكن بكل بساطة تحليلها وفهم ما أريد منها، وأخيراً التعليق على كون وقتها مناسباً أو لا. لكن أحداً لم يأخذ الطريق الأسهل. فوق ما سبق، يبدو من إضاعة الوقت مقارنة هذه الخطوة ــ إن افترضنا أنها خطأ ــ بما فعلته قطر في إحدى الفعاليات الرياضية (عرض الضفة وغزة فقط على أنها فلسطين)، أو ما فعلته «الجزيرة» بوضع كلمة إسرائيل على المناطق المحتلة عام 1948 وسكت عنه جزء كبير من الرأي العام الفلسطيني.
برغم ذلك، فإن ثمة رد بسيط يقول إنه يوجد للفلسطينيين مشروعان في حال صدقنا الرواية العامة عن دور إيران المذهبي: المشروع الأول المنظومة العربية التي تآمرت عليهم ولا تزال تفعل ذلك والآن علناً، والثاني مشروع إيران في المنطقة وعنوانه فلسطين نفسها، بكل ما قد نحمّله من نظرة طائفية ومذهبية، ولنا أن نختار بين الاثنين... إلا إن كان هناك طرفٌ ما مقتنع فعلاً بأنه سوف يحرر فلسطين وحده وبلا سند خارجي.
القضية الثانية هي حكاية الشهيدة أشرقت القطناني ووالدها، وتعريج السيد نصر الله عليها في خطاب محوري ومهم، وإفراده مساحة من الوقت لذلك، وما تبعه من ملاحظات على والد الشهيدة واتهامه بالتشيع، وأن دخول السيد إلى هذه القصة كان من هذه البوابة. صراحة، إن هذا المقياس الأعوج أيضاً، سيكشف لنا أن عز الدين القسام وفتحي الشقاقي وعماد عقل ويحيى عياش ومحمد الدرة ومحمود طوالبة... كلهم شيعة، لأن حزب الله ركز عليهم في أدبياته كثيراً، مع أن السيد تحدث عن هذه الشهيدة التي كانت ببساطة ترسل عبر صفحاتها رسائل «حب» إلى حزب الله و«انتماء» إلى مشروعه في فلسطين، وصادفت في عالم «التواصل الاجتماعي» أن تصل رسائلها إلى السيد، الذي تأثر بها بصفته والد شهيد وعارفاً بمعنى كلماتها، وهذا هو الأمر فعلاً وبكل بساطة.
حاولتُ اختيار موعد كتابة هذه المقالة بعدما انتهت العاصفة الكلامية، وكل الأطراف بلا استثناء، بدءاً من إسرائيل، مررواً بمن صفق لها، انتهاء بالمقاومة ومؤيديها، بانتظار الرد، لأنهم في داخلهم يوقنون بحزب الله وهويته المقاومة. لكن سمير القنطار، الذي وضع الفلسطينيين في اختبار جديد مع أنفسهم واختياراتهم، قد اختصر المعاناة مرتين على حزب الله: الأولى حينما أشار إلى أنه غير مستعجل للخروج من السجن إلا بشروط تناسب الحزب، والثانية حينما كتب في وصيته أنه يرفض انجرار الحزب إلى معركة تختارها إسرائيل، مؤمناً بصدق الوعد وصاحبه.
أما التكفيريون ومشروعهم، فإنهم آخر الأوراق التي يلعب بها الإسرائيليون ومن ورائهم الأميركيون والأوروبيون، وهي بلا شك أصعبها، ولكن الجيد أنه بعد هزيمتهم التي قد تتطلب سنوات، ستكون إسرائيل أمام معركة مباشرة ومكشوفة، أخفقت فيها مراراً أمام لبنان وغزة، وهو ما ننتظره فعلاً بوجود حزب الله القوي والقادر، وقد تحدث هذه المعركة قبل هزيمة التفكيريين المحتومة، وهو ما سوف يعرّي كثيرين.
وعن الذين وقفوا بجانب إسرائيل هذه المرة كما فعلوا مرات عديدة، فأطمئنهم كما فعل سمير القنطار في تونس، إلى أن كاتب هذه السطور عاش نظريتهم قبل سنوات، وكان يتبنى الجنون الذي روجوا له، فلا يستعجلوا على أنفسهم، ولا يخطئوا خطأ الشاعر الذي قال له السيد: «يا بني لا تبنِ أصناماً كي لا تضطر في يوم أن تهدمها». وللأسف، فإن من يخاطبكم اليوم، دفاعاً عن فلسطين وما فعله الشهداء من أجلها وقد لا تعجبكم رؤيته، نال لعامين من السيد حسن نصر الله، أرجو أن يغفرها لي كما يفعل بابتسامته المعتادة، في وجه كل من وقفوا ضد أنفسهم (ضد فلسطين) ذات يوم... وعادوا إليها.

* من أسرة «الأخبار»