كاتيا سرور *
I- إلى العماد ميشال عون

معه حق ،العماد ميشال عون، أن يلتجئ إلى القانون، بما أنّ من بقي من مثقّفي هذا البلد، بعد موقّعي العريضة، يتفرّجون على ثقافة تنحدر من النهضة إلى الانحطاط، وعلى مثقّفين يخرجون على رسولية الكلمة إلى نزقها، و...يتواصل ارتكاب هذا الصمت البليد.
نحن من يتحمل المسؤولية الأدبية عن ارتكاب ميشال عون خطيئة استراتيجية في اللجوء الى القضاء قي مواجهة كلمة.
بالتأكيد، جنرال، هذا ليس مجرّد خطأ تكتيكي أن تواجه الكلمة بالقضاء... حتى وإن كان هذا القضاء على صورة الدولة الشهابية، وحتى لو لم تكن الكلمة هي الله، حتى لو ترنُ الكلمة الى نبوءة، وحتى عندما تخرج الكلمة من محراب الحكي والتفكّر إلى «زقاقيّات» القدح والذم والبذاءة!
هذا هو لبنان، الذي ليس عليه حرج، بعد الأربعين عاماً من دموع ودماء، أن يرفض بقاءه «فريداً في محيطه». بالتأكيد: ليس لكي يلتحق بركب إخوة يوسف، وإنّما ليكرز كما يوحنا الذهبي الفم، بشارة الكلمة، وليصرخ بصوت يحيى: «خذ الكتاب بقوة» يا زكريا. وسيكون من حظ الولايات المتحدة أن ترى، عملياً، إمكان نشر الديموقراطية بالقلم الحر اللبناني... في شرق جديد [بدأ؟] يشرق، مرّة بعد، كما دائماً... من لبنان.
هذا هو المشروع المفترض، لمن بقي من مثقّفين في هذا البلد بعد موقّعي العريضة...
هذا هو لبناننا الذي أعتقد أنّه لبنانك أيضاً، جنرال.
ولأنني أريد أن أبقى على اعتقادي. أرى من حقي عليك أن أطلب سحب هذه الدعوى.

II- إلى الشاعر بول شاوول

أوّلاً، الشاعر بول شاوول كان، دائماً، مع الحكي وضد الكلام.
وما قرأت من مقالاته لعامي 2007 و 2008، لا يمكن تصنيفه في خانة «الحكي» الذي كثيراً ما حكى عنه، شاوول، أيام كلية التربية. وهو، ليس كلاماً حتى بالسلبية التي تفكرنا بها بعض عالم وعلم وعلماء الكلام، أيام كلية التربية أيضاً. وهو، ليس قولاً في السياسة، وتأكيداً هو ليس قولاً في الثفاقة.
ماذا قرأت؟
اِقرأ معي أيّها الزميل:
• «ها هم يجعرون بزلاعيم الشتى»، «الرقيب المتقاعد بلبل الخراب وبوم الروابي»، «مهرّجون ما إن تراهم أو تسمعهم حتى تقهقه»، «هو صهيوني بامتياز مهما تنكّر بمساحيق الإيمان، وبتبرجات المواجهة، وببودرة جواري الوصايتين!»، «السنيورة المقاوم الحقيقي لإسرائيل». (من: «إنّهم «يحاربون» إسرائيل بتقسيم لبنان!»، المستقبل ـ السبت 1 أيلول 2007 ـ العدد 2720 ـ صفحة 1)
• «حَسّون الرابية»، «الغربان المغرّدة»، «(فلان) هو الفراغ بعينه، وهو من تفريغات الفراغ!»، «(فلان) يعاني غيبوبة نرجسية طويلة الأمد قد لا يستفيق منها ولا تستفيق منه بعد هزيمته في المتن». (من: «وكلاء الفراغ»، المستقبل ـ السبت 25 آب 2007 ـ العدد 2713 ـ صفحة 1)
• «لا يريدون من ترشيح الرقيب المتقاعد (...) سوى التعطيل. وكما سبق أن قلنا يستخدمون زغلول الرابية رابوقاً لتعطيل الانتخابات»، «يشبه (...) غراب بعبدا، وعندليب الخراب وبلبل العمالة». (من: «هل تعود الرئاسة إلى الجمهورية»، المستقبل ـ السبت 18 آب 2007 ـ العدد 2706 ـ صفحة 1)
• «بتوع 8 آذار»، «... فأين أنت أيتها الروح التوراتية الغضوب... من روح هؤلاء المؤمنين بالحشر والنشر والآخرة والعقاب والثواب! فبورك إيمانكم الذي يعادل وطنيتكم، وبوركت وطنيتكم النظيفة الهفيفة، الشفيفة الرصينة العفيفة!»، «فات هؤلاء أن وجودهم في البلد يشبه غيابهم. موجودون بالجثث (بمعنى الأجسام) والملابس. والمآكل. والزلاعيم. والأفواه. والمناخير. والآذان. والكروش. والركب. أما «مخوخهم»، وما فيها، ومواقفهم وما ضُخَّ في تلابيبها، وإرادتهم وما زرع فيها (من فساد)، فكلها وافدة من الخارج. فهم الخوارج الجدد»، «المرؤوس (...) أجبن خلق الله!»، «(...) والضمير: خطان متوازيان لا يلتقيان... بإذنه تعالى» (من: «وشاة الموت» المستقبل، السبت 7 تموز 2007 ـ العدد 2666 ـ صفحة 1)
• فلان «... أجرى عملية تجميل رائعة على تقاطيع وجهه الصبوح وتقاسيمه وتحافيره، برافو! قد يكون في ذلك جانب من أنوثة موجودة أو كامنة داخله وربما هذا أحلى ما فيه»، «جنرال الهزائم وزغلول الرابية وبلبلها وبلبالها» (من: «جنرال يتبخّر»، المستقبل ـ السبت 1 آذار 2008 ـ العدد 2891 ـ صفحة 1)
هيدا مش «حكي».
وهو ليس «كلاماً».
أترك لك أيّها الزميل أمر التصنيف الملائم.

III - في جرم الصمت المتمادي وحرمة الكلمة

أذكّر بول، ومعه موقّعي العريضة، ومن بقي من مثقّفي لبنان بهذه الارتكابات بحق الكلمة [السياسية] والثقافية لسببين:
1- لأنّ بول «ظنّ» أن وراء دعوى عون عليه «أكثر من سبب»، وعدّد هذه الأسباب:
«محاولة المس بدور المجتمع المدني، والمس بالموقع الثقافي، والمدى الديموقراطي، الذي استعاده لبنان»!!!
2- لأن موقّعي العريضة بعدما أبدوا استنكارهم «الشديد» للدعوى المرفوعة من النائب ميشال عون بحق الشاعر والصحافي بول شاوول، رأت عريضتهم في الدعوى: «طعناً بحق إبداء الرأي ومحاولة للنيل من حرية الكلمة والتعبير وضرباً للديموقراطية التي قام عليها لبنان وصحافته الحرة»!!!
ولأن كلتا الرؤيتين لم تأخذ في الاعتبار أن ما تقدم من نماذج لا يبدو على علاقة وطيدة أو واهية، لا بالمجتمع المدني ولا حتى المتمدّن، ولا بحرية الكلمة ولا بالصحافة الحرة…
أسمح لنفسي بأن أعتقد أنّ صمت من بقي من مثقفي هذا البلد، بعد موقّعي العريضة، على انتهاك كرامة الكلمة، هو صمت بليد. وأن ارتكاب جرم الفرجة بات متمادياً بفعل الصمت. وأنّ المحكمة الثقافية التي ستحاكمنا قد يباح لها «تحليل» الإعدام الأخلاقي قبل الثقافي، على الأقل، لأننا حتى اليوم لا نمتلك إجابة عن سؤال الثقافة العربية الاقتصادي قبل الثقافي:
ما الذي أرغم المتنبّي على أن يكون مدّاح البلاطات وشتّامها؟
وهو سؤال معنيّ به العماد عون، أيضاً، ومعنيّ به كل من يطرح أي مشروع حزب أو سلطة أو وطن... لكي لا يتحول الحلم إلى كابوس.
من «هنا نبدأ»... على ما أعتقد!

IV- ملاحظتان إلى موقّعي العريضة

1- كلاهما مستهدف بالدعوى القضائية نفسها. معاً يعملان عند رب العمل نفسه. يطاولان الخصوم أنفسهم. يستخدمان اللغة نفسها... والزميل فارس خشان، دخل ملكوت الثقافة: نشر كتاباً ووقّعه... عدا عن كون خشان يتمتّع بإضافة تجعله مستحقّاً لتضامن المثقف معه... فخشان مهدّد بالقتل على ما ادعى أمام قاضي التحقيق في بيروت، سامي صدقي، من السوري هسام هسام، كما أشارت المستقبل (27 شباط 2008)... فلماذا استثنى هؤلاء «المثقفون اللبنانيون» الزميل فارس خشان من عريضة تضامنهم!! ما الفرق؟
2- لماذا لم يتمّ التضامن مع الزميلين شارل أيّوب ويوسف الحويّك بعدما أصدر (8 من الجاري) قاضي التحقيق الأول في بيروت عبد الرحيم حمود قراراً ظنياً في شكوى رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري على جريدة «الديار» أحال بموجبه صاحب المطبوعة شارل أيوب ومديرها المسؤول يوسف الحويك على محكمة المطبوعات ليُحاكما أمامها بمقتضى المادتين 3 و20 من المرسوم الاشتراعي رقم 2104/77 لجهة الذم بالمدعي وجنحة المادة 574 من قانون العقوبات لجهة التهديد وتنصّ على الحبس من سنة حتى ثلاث سنوات، في مقال كتبه أيوب في 3 تشرين الثاني الماضي؟ ألا تمثّل هذه المواجهة للكلمة بالقضاء «طعناً بحق إبداء الرأي ومحاولة للنيل من حرية الكلمة والتعبير وضرباً للديموقراطية التي قام عليها لبنان وصحافته الحرّة»!!!
* صحافيّة لبنانيّة