حسن عماشاعذراً غيفارا، لم تعد وحدك ملهمنا! ها هو «الحاج رضوان» ينتقل من عالمنا إلى عالمك. قارع أعداءنا وأعداءك ثلاثين عاماً، هو آت من «كهوف الشرق»، من هضاب عاملة، إنّ في عصرنا أيضاً نظراء لك. كما كنت قبل أن يجعلوك أسطورة. لم يضع صورتك على قميصه؛ هو مثلك، ثوري من طراز مختلف. استمدّ من تراث أمّته نهجه. مدّ جسراً طوله أربعة عشر قرناً؟ حسينيّاً كان. اعذره إن لم يعرفك؟ قصّتك غابت عن ميادين الصراع في بلادنا. لا يعرف مستنقعات «Modca» و«Café de Paris» وإكسبرس أو حتى الروضة. حقّق انتصارات تكتيكيّة لم تُغره ليصرفها مواقع ومكاسب، بل راكمها وعظّمها فحوّلها نصراً استراتيجيّاً، حتى كان قتله بداية جديدة، لا نهاية لمدرسة تخرّج ثواراً وأحراراً.
عذراً غيفارا، الناطقون باسم تراثك في بلادنا اليوم يحرّرون المضطهدين عندنا قبل أن يتجرّعوا الكأس الأولى، وفي منتصف الزجاجة يكونون قد حرّروا العالم، ومن ثمّ يخطّطون للمستقبل وللأجيال القادمة التي سينجبونها! أمّا «الجادّون» و«المخضرمون»، فيخوضون معاركهم في الأذهان، وإن تشيّأت تكن حبراً على ورق، ودليلهم على تخلّف الجماعات المقاتلة في الميادين الواقعية أنها لم تسمع نصائحهم ولم تتبنَّ خططهم!.
غيفارا، لقد حللت مكان عنتر في قصصنا الشعبية. لم تعد حكاياتك تشحننا غضباً نفجّره في الأعداء؛ نالوا منه أخيراً؟ نعم. كما نالوا منك. هو ليس «أسطورة» كما لم تكن أنت؛ بل حقيقة ماديّة
ملموسة.
وأنت يا «حاج رضوان» قل لغيفارا كيف تحوّلت صورته سلعة! وأخبره أنه لم يعد أحد ممّن يزعمون الانتماء إلى تراثه، يحمل شرف الدخول في «لائحة» أعداء الإمبريالية الأميركية.
عذراً «حاج رضوان». يختلف الزمان والمكان ويختلف الرجال، لكن القضية واحدة والعدو واحد: «الاستكبار العالمي» و«الشيطان الأكبر».
ولك يا حبيب القلب، رغم الحجاب الذي لفّ حياتك، ستخبرنا حكاياتك سنديانات السلوقي ومطاحن الحجير وستظهر آثارك على كلّ جبّ صعتر، وستدلّنا على طريقك زهرات القندول والدحنون. والمسافة بين الدردارة وبرك رأس العين تختصر التاريخ وتسكنها أرواح صلاح الدين وعز الدين القسّام ومعروف سعد ويوسف العظمة ودلال المغربي ويحيى عيّاش وتحلّق فوقها في المواسم أرواح عبد الناصر وحافظ الأسد (رغم أنف الانعزاليّين القدماء والجدد).
ومن هنا سيكتب التاريخ.