جليات الفلسطي الذي هزمه داوود التلحمي أسطورة!زياد منى
في كتابه الجديد «عودة إلى التوراة جاءت من جزيرة العرب»، يمسك كمال الصليبي بيد القارئ ويأخذه في رحلة لغوية ـ تاريخية فلسفية بحثاً عن موطن بني إسرائيل، وفق قراءته للرواية التوراتيّة.
الكتاب الجديد، الذي صدر بالعربية والإنكليزية، يضمّ مجموعة من الأبحاث التي سبق أن نشرها باللغة الإنكليزية فقط في دوريات متخصّصة، إضافةً إلى محاضرة عن العلاقة بين العربية ولغة التوراة، ألقاها في أواخر التسعينيات في سمث كلدج بالولايات المتحدة الأميركية، وبها استهلّ الكتاب الجديد عن المادة.
مقالات المؤلف الجديد الأخرى: طوبوغرافية سفر التكوين (14) في عسير؛ مسألة جليات وداوود؛ جغرافية إحصاء داوود؛ «الفرار» من أورشليم؛ وأخيراً: مسألة أورشليم.
أهمية المقال الأوّل تكمن في أنّ المؤلّف يدحض الفكرة السائدة القائلة إن الإصحاح (14) من سفر التكوين يشير إلى نشاط عالمي إلى أبرام / أبرهام التوراة وغزواته وحروبه التي تجاوزت حدود فلسطين. هكذا كمال الصليبي يلاحق الموضوع، وفق المنهجية التي طرحها في مؤلّفه الأوّل «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، أي: لغوياً وجغرافياً ليثبت من خلالها أن مسرح تلك المعارك كان في عسير، وفي منطقة جيزان تحديداً.
مقالات الكتاب، على نحو عام، لا تحوي الكثير من الجديد بخصوص الموضوعة الأساس، ذلك أنها أتت، جميعها، لدعمها بحجج جديدة.
أوّل الجديد يكمن في تفاصيل نعثر عليها في المقال الثالث عن جليات وداوود، حيث رأى كمال الصليبي أن القراءة التعسفية المغلوطة هي التي أدّت إلى خلق شخصية جليات، العملاق الفلسطي، الذي هزمه داوود الصبي، بضربة حجر.
المؤلّف أوضح، من خلال تحليله النصوص التوراتية ذات العلاقة، اعتمادًا على منهجية النقد النصّي المعمول بها في «العلوم الكتابية»، خطأ الأفكار السائدة الناتجة، جزئيًا، من التمسّك بالأفكار والأحكام المسبّقة. النتيجة التي يصل إليها: ليس ثمة من جليات فلسطي هزمه داوود التلحمي أو البيتلحمي.
الجديد الآخر في الموضوعات هو حسم المؤلّف بأنّ أورشليم لم يكن في الأساس اسم مدينة وإنما إقليم. وقد اعتمد كمال الصليبي في حكمه هذا على النصوص التوراتية، دوماً بلغتها الأصلية، التي تشير إلى «مدينة في أورشليم». هذه الموضوعة الجديدة لم تعتمد التحليل اللغوي والنقد النصِّي فقط، وإنما أيضاً شواهد جغرافية لأنّ «التوراة» تشير إلى ما لا يقلّ عن 26 بوابة لأورشليم. هذا العدد الضخم من البوابات يتجاوز حاجيات مدينة عصرية ضخمة، لكنه يمكن أن يناسب حاجات إقليم.
المادة الأخرى التي اعتمدها كمال الصليبي منطلقًا لموضوعته الجديدة هذه، هي أن بلاد عسير تحوي كثيراً من الثغور أو المعابر التي لا يشار إليها هناك بالاسم العربي، بل بالمصطلح (شعر/ الشعار) وهي الكلمة نفسها المستخدمة في كنعانية التوراة.
ولأنّ أموراً كهذه، سارت مع التاريخ ما لا يقلّ عن عشرين قرنًا، لا تحصل مصادفة، فقد توصّل كمال الصليبي إلى النتيجة: أورشليم التوراة ليست مدينة وإنما إقليم، وهو ما يعرف حالياً باسم (سراة رجال الحِجر) في بلاد عسير. أما أورشليم «المدينة»، فهي إمّا (الشريم) بالقرب من النِّماص، أو القريتين التوأم (أروى) و(سلام) بالقرب من تنومة، وتقع، جميعها، في بلاد عسير.
أهمية الكتاب لا تكمن في الأساس في صحّة الموضوعة أو في خطئها، وإنّما في كونه تجربة علمية قيمة وثمينة في عالم التفكير المنطقي المجرَّد من الأحكام المسبّقة والمتحرّرة من القيود كائناً اسمها ما كان. القارئ ليس مجبراً على قبول موضوعة كمال الصليبي، لكن ليس بإمكانه مساءلة سحر أسلوبه وقوّته الداخلية ومنطقيته. ومن هنا، فإنه لم يُتمكن إلى الآن من دحض موضوعاته أو اكتشاف ثغرة في منهجيته.
* كاتب فلسطيني


العنوان الأصلي
عودة إلى التوراة
الكاتب:
كمال الصليبي
الناشر
شركة قدمس للنشر والتوزيع