صباح علي الشاهر *السؤال الذي يبرز هنا: هل جيش المهدي لم يعد يتقيد بتوجيهات السيد الصدر؟ وإذا كانت الإجابة بنعم على هذا السؤال، فإنه ينبثق منه سؤال آخر: هل ولدت قيادة ميدانية جديدة؟ أم أن ما يجري الآن من مواجهات إنما يجري ضمن القراءة الحقيقية لمجمل تعليمات السيد الصدر، وليس بأخذ قضية التجميد بمعزل عن الأمور الأخرى .
حقيقة الأمر أنه لم تنبثق قيادة أخرى غير قيادة الصدر ومكاتب الشهيد في كل مدن العراق، وأن الصدر ما زال هو القائد الفعلي الذي يدين الجميع بالولاء له. إذا صدق هذا الاستنتاج الذي هو استقراء لواقع حقيقي على الأرض، فإن عزل السيد الصدر من أتباعه لا يكون أمراً مستبعداً فقط، بل مستحيل.
إذاً، هل يمكن القول إن قوى أخرى من خارج التيار هي التي قامت بعملية العزل، وهذا يفترض الإقرار بأن التيار الصدري نتاج قوى خارجه، وأن زعامة السيد الصدر للتيار متأتية من إسناد هذه القوى، كأن تكون إيران مثلاً؟ وهذا أمر لا يملك صدقيته، ويتنافى كلياً مع حقيقة التيار الصدري وواقعه قبل الاحتلال، ثم بعده، حين أعيد تأليفه وخاض المواجهات الكبرى مع الاحتلال. يمكن القول خلاصة بأنه ليس بمقدور أحد خارج التيار الصدري عزل السيد الصدر.
إذن هل اعتزل السيد الصدر؟
يعتزل المرء العمل السياسي والنضالي لسببين، إما لانهياره وضعفه وخضوعه للضغوط وعدم قدرته على المواجهة، ويصعب الزعم أن مقتدى قد وصل إلى هذه النتيجة، وإما لأن المناضل لم يعد قادراً بفعل السن على القيام بمهماته النضالية، والسيد مقتدى ما زال فتى في مقتبل العمر. إذن فكرة أن يعتزل هو تبدو بعيدة الاحتمال، وخصوصاً أنه نظّم العمل، ووزّع المهمات، ولم يبرز بديل له في القيادة، كما أنه لم يظهر أي شخص من الصف الأول والصف الثاني في القيادة الصدرية يدعي أن السيد الصدر لم يعد القائد الفعلي للتيار. الكل ما زالوا يتحدثون عن السيد كقائد. إذن مقتدى الصدر لم يعتزل!
يظل أمامنا الاحتمال الثالث، وهو أن السيد مقتدى انعزل وللسبب غير المقنع الذي أورده، وهو مواصلة دراسته الحوزوية، يشبه السبب الذي يسوقه قائد حركة ثورية وهو في ذروة العمل الميداني الجهادي النضالي، وفي أحرج مفاصل النضال، فإذا به يترك القيادة للحصول على الدراسة العليا. من المؤكد أن هذا القائد عندما يكمل دراسته بعد سنوات، سيعود ليجد أن الفصيل القيادي الذي كان يقوده إما أن يكون قد انتهى، أو يكون قد انتصر تحت لواء قيادات قوي عودها في مجرى النضال، ويجد أنه لم يعد له دور في كلتا الحالتين.
إذا كان مقتدى قد انعزل، فليس للدراسة، بل لأسباب تتعلق بعملية التغيير والتجديد والاستعداد لمرحلة نضالية أخرى، لا ينفع معها التنظيم الهلامي غير المنضبط، وغير المسيطر عليه. والتيار الصدري يحتاج إلى نموذج يُقتدى به، والانعزال هكذا يوفر نموذجاً لا تخطئه العين.
* كاتب عراقي