فايز فارس
صرّح رئيس جورجيا ميخائيل ساكشفيلي خلال استقباله وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بما يأتي: «لقد تراشقنا بالحجارة مدّة طويلة. وقد حان الأوان لجمعها معاً». الرئيس الفلسطيني أبو مازن يقرّ ويعترف أمام العالم بأنّ «حماس جزء من الشعب الفلسطيني ولا يمكن إلغاؤه كما لا يمكن أي طرف إلغاء الآخر». وفي لبنان نسمع ونقرأ كل يوم كلاماً شبيهاً حتى تعب المواطن من تكراره لأنه بقي كلاماً ولم يترجم إلى أفعال.
بالأمس عانقت أرواح شهداء 25 كانون الثاني أرواح شهداء 12 كانون الأول الماضي، كما عانقت أرواح شهداء معارك نهر البارد 2007 أرواح شهداء حرب تموز 2006. وبالأمس أيضاً اشتعلت منطقة «محدّدة» بنار إطارات مواطنين محتجّين غاضبين في مواجهة قنّاصين مجرمين محترفين من سلالة القتلة الذين استباحوا لبنان وأهله وما زالوا، منذ أربعين سنة مضت.
كل القنوات، بين فضائيّة وأرضيّة، دفعت بمراسليها ومندوبيها إلى ساحات المواجهة ما عدا اثنتين فضلتا الانتظار والتريّث ثلاث ساعات قبل نقل مشاهد الحدث «مباشر»، بينما انكبّت إحدى القنوات «المدعيّة نزاهةً مهنيّة» على نقل الحدث بشكل تحريضي عبر تلعثم مندوبيها من جهة، وإطلالة لأكثر من ناطق باسم «أكثريّة» هي في الواقع مجموعة أقليّات اجتمعت في «حمام مقطوعة عنه المياه».
وفي الوقت ذاته، كانت القاهرة تستضيف اجتماعاً لوزراء الخارجية العرب الذين خرجوا علينا بقرارات تشبه إلى حدّ بعيد تلك القرارات التي أبدعت في عجزها عن إيجاد حلول كفيلة بإنهاء حروبنا الأهلية العبثية خلال عقد ونيّف من الزمن، لا بل ساهمت بطريقة ما في إطالة عمر الأزمة أكثر ممّا كان يتوقّع اللاعب الأوّل في حينه، الذي أصبح اليوم اللاعب الأوحد أو الأكبر.
أهم ما جاء في البيان الختامي وما تضمنه من توصيات وأحكام مبرمة، نطق به الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي جرى تكليفه رسمياً بتأليف حكومة لبنان الجديد، لبنان ثورة الأرز التي يبدو أن الهدف منها جعل أكثرية اللبنانيين «يكرهون» هذا الشعار النبيل. وكأنّ بوزراء الخارجية العرب يطلبون من الرئيس نبيه برّي التخلّي عن دوره الدستوري والتنازل عنه لمصلحة السيد عمرو موسى الذي يملك العصا السحريّة والمعادلة الجبريّة التي ستجبر الجميع على القبول بالنتائج المطلوب تحقيقها، وإلّا أعلن القادة العرب سخطهم وانسحابهم من المشاركة في «دورة الألعاب الحربيّة العربية».
متى ولادتك الحقيقية يا وطني؟ وكم يلزمك من الشهداء حتى يكفّ قادة هذا العالم عن التدخل في شؤونك والتلهي بمصائر شعوبنا العربية، بحجة محاربة الإرهاب ونشر السلام وتعميم الديموقراطية، ويستفيق قادتنا من «سكرتهم» التي طالت أكثر من اللزوم والتي أوصلتنا إلى شفير الهاوية؟ وهل يعلم هؤلاء القادة أن المواطن اللبناني قد أمسك بطرف الخيط الغليظ الذي عليه علّقوا أعلام الحقيقة ورفعوها عالياً كما هي الحال عندما نلهو بطائرة من ورق؟
وحده دم الشهادة ينطق بالحقيقة الناصعة البياض كثلج صنين وحرمون: إن لم تكونوا أحراراً ومن أمّة حرّة فحرّيات الأمم عار عليكم.